قال شيخنا رحمه الله
46-اللهُ تَعالى فَرضَ صيامَ رمضانَ بَعدَما مَضى مِن بِعثَةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم أربعَةَ عشْرَةَ عامًا وفي السّنَةِ الخامِسَةَ عشَر مِن بِداية البِعثَة فرَضَ اللهُ تَعالى على المسلمينَ صيامَ رمضان وقبلَ ذلك لم يكن صيامُ رمضانُ مَفرُوضًا، الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلام عاشَ في مكّةَ ثَلاثةَ عَشَرَ عامًا ثمّ هاجَرَ إلى المدينةِ فمَكَث سنَةً ثمّ في السّنةِ الثّانية منَ الهجرة فُرِضَ عليه صيامُ رمضانَ أي أنّ صيامَ رمضانَ كانَ في السَّنَةِ الخامِسَةَ عَشْرَةَ، عامًا إلاّ شيئًا فرضَ اللهُ تَعالى صيامَ رمضان وكان قبلَ ذلك بنحو سِتِّ سنواتٍ فُرِضَتِ الصلواتُ الخمس وأمّا الزّكاة فقد فُرِضَت بعدَ فرضِيَّةِ صيام رمضان، زكاةُ المالِ وزكاةُ الفطرة فإنّها لم تُفرض قبل الهجرة إنّما فُرِضَت بعد الهِجْرةِ بسَنَةٍ ونِصْفِ تقريبًا أي فُرضتا في السّنة الخامسَة عشرة، لكنّ هذَا بالنسبة لشرع سيّدِنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فإنّ سيّدَنا محمَّدًا بُعِثَ بعدما انقطع الإسلامُ من على وجهِ الأرضِ، لم يبقَ في الأرضِ بين النَّاسِ إسلامٌ، نحو خمسِ سنواتٍ مَضَت والبشرُ كلُّهُم على الكفر بعدَ ذلك نَزَلَ الوحْيُ على رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكان أولَ ما فرضَ اللهُ تَعالى على النَّاسِ الإيمانَ به وبرسوله أمّا الصّلاةُ كانت فُرِضَت عليهم في أوائل البِعثَة صلاةُ اللّيلِ فقط، وأنّه كانت صلاةٌ مفروضَةٌ على الأمم الذين مَضَوا، آدمُ عليه السَّلام كانت عليه صلاةٌ واحدَةٌ مَفرُوضَةٌ ثم الأنبياءُ الذين جاؤوا بعدَهُ كانت الصلاةُ مفروضَةً عليهم لكن كُلُّ نبيِّ كان فُرِضَت عليه صلاةٌ واحدَة في اليومِ واللّيلَة حتّى جاءَ موسَى عليه السَّلام وعلى جميع رُسُلِ الله ففَرَض اللهُ تَعالى عليهِ وعلى أُمَّتِه صَلاتَينِ ثم لم يَزل الأمْرُ على ذلكَ في شَريعَة المسيح عليه السَّلام، كانت فَرضًا عليهِ صَلاتان في اليوم واللّيلَة، فلم يَفرض اللهُ تَعالى خمسَ صلَواتٍ في اليوم واللّيلة على أُمّةٍ قَبْلَ أُمَّةِ محمَّد، لم يَفرِض اللهُ تَعالى على أُمّةٍ مِن الأمَم قَبلَ أُمّةِ محمَّد أكثرَ مِن صَلاتَين في اليَوم واللّيلة، فأُمَّةُ محمَّد هُم أوّلُ أُمّةٍ مِن أُمَم الأنبياء فُرِضَت علَيهم خمسُ صلَواتٍ في اليومِ واللّيلة، وأمّا مَن قَبلَهم مِن أُمَم الأنبياء فأكثَرُهم كانت عليهم صَلاةٌ واحِدَة في اليَوم واللّيلة إلى أن جاءَ بنو إسرائيلَ، بنو إسرائيلَ هُم ذُريَّةُ يَعقوبَ علَيه السَّلام، هؤلاء فُرضَت علَيهم صلاتَان في اليَوم واللّيلة وكانت تلكَ الصّلَواتُ فيها ركُوعٌ وفيها سجُود وكانَ أيضًا الوضوء مَفرُوضًا قبلَ سيّدِنا محمَّد على الأنبياءِ وأمَمِهِم، لذلكَ جاءَ في قِصّةِ سَارةَ مع زَوجِها إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام أنها جَاءَت معهُ إلى أرضٍ فيها ملِكٌ جبّارٌ ظَالم خَبِيثٌ، فاللهُ تبارك وتَعالى يَبتَلِي عِبادَه المؤمنينَ لأنّه مَن صَبر على البَلِيّة يَظفَرُ عندَ الله تَعالى بثَوابٍ عظِيم، لمّا وصَل إبراهيمُ مع زَوجَتِه سَارة إلى تلكَ الأرض التي فيها ملِكٌ جَبّار يَحكُمُها وكانَ مِن شَأنِه أنّه إن دخَلَت إلى أرضِه امرأةٌ جميلةٌ جدًّا يُخبَرُ بأمرِها فيَستَدعِيَها ليَعمَلَ الفاحِشَة بها وكانت سارةُ جميلةً جدًّا، مِن أحْسَنِ النساءِ كانت شكلا، فقيلَ لهُ إنّه دخَلَ إلى أرضِكَ اليومَ امرأةٌ مِن أحسَنِ البشَر فاستَدعَى سَارة فتَوضّأت وصَلَّت ركعتَين قبلَ أن تَقِفَ في وجْهِه فمَدَّ يدَهُ إليها فيَبِسَت يَدُه، ثم قال لها ادعِي لي فإنّي لا أتعرّضُ لكِ فدَعَت لهُ فانفَكَّت يَدُه مِنَ التَّعَطُّلِ الذي حَصَل لها ورَجَعَت كما كانت ثمَّ نَفْسُه الخبِيثَةُ ما تَركتْه فمَدَّ يدَهُ إليها ثانيَةً فيَبِسَت أيضًا، ثم طَلبَ منها أن تَدعُوَ له حتّى يَخلُصَ مِن هذَا الشّلَل، فدَعَت لهُ فعَادَت يَدُه كما كانت ،ثمّ لم تَدَعْهُ نَفسُه الخبِيثَةُ فمَدَّ يدَهُ إليها ثالِثةً فيَبِسَت أيضًا، فعَاهَدَها أن لا يَعُودَ إلى ذلكَ فدَعَت لهُ فعَادَت كما كانَت فأكرَمَها أعطَاها هاجر، هاجرُ هذه كانت أمَةً لهُ، خادِمَةً، أعطى هاجَر لسَارة. اللهُ تبارك وتَعالى خَلّصَها مِن شَرّه، وكانت هيَ تضَرَّعَت إلى اللهِ تَعالى بالوُضُوء والصّلاة، وهكذا يَنبَغي للإنسانِ إذا أصابَتْهُ نَكْبَةٌ ليَفْزَع إلى الله يتَوضّأ فيُصَلّي ركعتَين أو أكثَر، مَن أصَابَتْه نَكبَةٌ يتَضَرَّعُ إلى اللهِ يَلجَأ إلى الله بأن يتَوضّأ وضُوءً شَرعيًّا ثمّ يُصَلّي ما كُتِبَ لهُ رَكعتَين أو أكثرَ كما فعَلَت سارَة فَزِعَت إلى اللهِ تَعالى لأنّه لم يكن في ذلك الوقتِ على وجْه الأرض مسلِمٌ غَيرُ إبراهيمَ وغَيرُها، كانَ النّاسُ في ذلكَ الوقتِ على الكفر، كلُّ البشَر كانوا على الكُفر كانوا يَعبُدونَ الأوثانَ مَا كانَ فيهم مؤمنٌ، هذَا مع أنّ إبراهيمَ عليه السَّلام استَعمَل تَوريةً ليسَ فيها كذِبٌ بل هي صِدْقٌ لما عَلِمَ أنّ مِن عادَةِ هذَا الملِك الخبِيث إذا وُجِدَ رجُلٌ معَه امرأةٌ حَسناء إن كانت أختَهُ كانَ يُعفيْها ولا يتَعرّضُ لها وإن لم تكن أختَه بأن كانت زَوجتَه أو غيرَ ذلك يتعرَّضُ لها بالفَاحِشَة لفِعْلِ الحرام، كانَ يتَعرَّض لها. مع أنّه لمّا سئِلَ عنها ما هذِه مِنْكَ قال إنّها أختي، وهو صَادقٌ في ذلكَ هيَ أُختُه في الإيمان، لم يكن على وَجْه الأرض في ذلك الوقتِ رَجلٌ وامرأةٌ مؤمِنانِ غيرُهما، وهكذا كانَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمّا “يَحْزَبُهُ” أي يُصِيبُه كَربٌ كانَ يُصَلّي للهِ تَعالى تَطَوُّعًا، وهكذا كلُّ عبادِ اللهِ الصّالحِين، كُلُّ الصّالحِينَ لمّا يُصِيبُهم ضِيقٌ شَدِيدٌ يَلجؤون إلى الله واللّجؤُ إلى الله بالتّضَرُّع إليه والتذلُّلِ له، وأكبرُ مَظهَرٍ مِن مَظاهِر التّذلُّل للهِ تَعالى الصّلاةُ، الصّلاةُ فيها تَذلّلٌ ظَاهرٌ للهِ تَعالى الإِنسانُ يضَعُ أشرَفَ أعضائه وهو الوجه على مواطِىءِ الأقدام متَضَرّعًا مقدِّسًا ممجِّدًا بلِسَانِه لرَبّه، لخالقِه، هذَا أكبرُ مَظهَرٍ مِن مَظاهِر التّذَلُّل لله تَعالى، فلِذلكَ كانَ الأنبياءُ والصّالحونَ عندَ الضّيق يَلجؤون إلى الصّلاةِ، فمِن هذه القِصّة يُعلَم أن الوضوءَ كانَ في أيّام الأنبياء قبلَ سيّدنا محمَّد والصّلاةَ كانت.