*أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاء ثمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَل إِنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى على حَسَبِ دِيْنِه فَمن كانَ في دِيْنه صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُه ومَن كَانَ غيرَ ذَلك كَانَ بَلاَؤُه عَلَى حَسَبِه*”

Arabic Text By Jul 06, 2014


قال شيخنا رحمه الله

الحمد للهِ ربّ العالمينَ لهُ النّعمَة ُولهُ الفَضلُ ولهُ الثّناءُ الحسَن صلَواتُ الله البَرّ الرَّحيم والملائكةِ المقرّبين على أشرفِ المرسَلِينَ سيّدنا محمَّدٍ وعلى آله وجميع إخوانِه مِن الأنبياءِ والمرسلين وسلامُ اللهِ علَيهم أجمعين وبعدُ فَقد رَوينا بالإسنادِ المتّصل في صحيح الإمامِ محمَّدِ بنِ عيسى بنِ سَوْرَة الترمذيِّ رحمَه اللهُ مِنْ حديث أبي هريرةَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّه قال: “*أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأَنْبِيَاء ثمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَل إِنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى على حَسَبِ دِيْنِه فَمن كانَ في دِيْنه صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُه ومَن كَانَ غيرَ ذَلك كَانَ بَلاَؤُه عَلَى حَسَبِه*” أشَدُّ النَّاسِ بلاءً في هذه الدُّنيا الأَنبياءُ لأنَّهُم أفضَلُ خَلْق الله، الله تَعالى يُعْظِمُ لَهمُ الأجْرَ فوقَ الأجْرِ الذي نَالُوه بأعمالِهِمُ الصّالحةِ ويُعْطِيْهِم قُوَّةَ الصّبْر أكثرَ مِنْ غيرهم، هذَا آدمُ علَيه السَّلام الذي هو أوّلُ الأنبياء وأولُ البشَر أصابَه بلاءٌ عظيم لأنَّه خَرج منَ الجَنَّة التي هي دارُ النَّعيم المْحْضِ ليسَ فيها مَشقّةٌ ليسَ فيها جُوعٌ، ولا يَعْرَقُ الإنسانُ الذي يكونُ فيها كعَرقِ الدُّنْيا ولا يَعْطَشُ ولا يَشكُو حرَّ الشمسِ ولا ألمَ البَرْد لا يَشكُو شَيئًا، أخرَجَه اللهُ تَعالى مِنْ تلكَ الجَنَّةِ إلى هذه الدُّنيا التي هيَ دارُ المتَاعِب والبَلايا فقَاسَى هذَا ما قاسَى مِنَ المَشَقّات. لكنّ اللهَ تَعالى كَتَبَ لهُ أنّه مِنْ أهلِ السَّعَادة، مِنْ أهلِ المقَام العَالي، كتَبَ لهُ أنّه منَ الأنبياءِ، أوْحَى إليهِ فَجَعَلَه نَبيًّا رَسولا، هوَ أَوَّلُ نَبيّ وأَوّلُ رَسُول، ثم بَعدَ ذلكَ اللهُ تبارك وتَعالى هَيّأ لهُ أسبابَ المعِيْشَةِ في هذه الدُّنيا، كيفَ يَعِيشُ، أنزلَ لهُ القُوتَ، أنزلَ لهُ القَمْحَ وعَلّمَه كيفَ يَزْرَعُ وكيفَ يَحصُد وكيفَ يتَّخذُ مِنه الطَّعامَ وغيرَ ذلك، حتّى الدَّراهمُ والدّنانيرُ، الذَّهَبُ والفِضةُ عَلَّمَه كيفَ يُستخْرَجَانِ مِنَ الأرضِ ثم كيفَ يُضْرَبانِ عُمْلَةً دَراهِمَ ودَنانيرَ، إِلى غَيرِ ذلك مِنْ أصُولِ المعِيْشَةِ عَلَّمَهُ اللهُ تَعالى فَعَاشَ حتى عمْرَهُ الذي كتَبَ اللهُ له، ثم بعدَ ذلكَ جاءَ أنبياءُ بَعْدَه كذلكَ كُلٌّ منهم لَقِيَ ما لَقِي مِنْ بلاءِ الدُّنيا منهم يحيَى بنُ زَكريا عليهِما السَّلام كانَ هو وعيسَى المسيح ابْنَي خَالَة هذَا نَبيٌّ وهذا نَبيّ كانَ مِنْ جُمْلَةِ بلاءِ يَحْيى أنّه كانَ في وَقْته مَلِكٌ يُحِبُّ النِّسَاءَ الجمِيلاتِ، مَشْغُوفٌ بالنّساءِ الجَمِيلاتِ وكانَتْ لهُ زَوجَةٌ طَعَنَتْ في السِّنّ وكانَتْ لها بِنتٌ جَميلةٌ، فأرادَ هذَا المَلِكُ أن يَتْركَها ويَتَزَوَّجَ غَيْرَها، فقالَت أُزَوِّجُكَ بِنْتِي فأتَتْ بها وقَدْ زَيّنَتْها حتى صارَت بحيثُ تَفْتِنُ النّاظِرَ إليها فقالَ لهذه المرأةِ حتّى أسْتَفْتيَ يَحيى فاستَفْتَى يحيى قال لهُ هل يجوزُ لي أن أتزوَّج هذه البنتَ فقال لهُ لا حَرامٌ عليكَ فصَعُبَ علَيه أن لا يتَزوَّجَ هذه البنتَ، أن لا يَصِلَ إلى هذه البنتِ، نَفْسُه ما طَاوَعَتْه، وهذِه المرأةُ التي كانَت زَوجَتُه الخَبيثَة حَرَّضَتْه قالت لهُ اقْتُلْ يَحْيَى هذَا الذي يَمنَعُكَ ويقولُ لكَ لا يجُوزُ، اقتُلْهُ، فأطَاعَها، كَفَرَ باللهِ مِنْ أجْل الوصُولِ إلى هذه البنتِ، أطاعَ هذه المرأةَ فقتلَه قَطَع رأسَه ووضَع رَأْسَه في طَسْت، في وعاءٍ، يُقالُ طَسْتٌ ويُقالُ طَشْتٌ، ثم هذَا المَلِكُ حتى يُرْضِيَها لِهذه المرأةِ وزيادةً في إرْضائها أرسَلَ بهذا الطَّسْتِ إلى هذه المرأةِ الخبيثةِ البَغِيّ الفَاجِرَةِ، ثم أصَابَ بعضُ هذَا الدّمِ بُقْعَةً مِنَ الأرض فظَلَّ يَغْلي، ما تَبْلَعُه الأَرْضُ ولا يَيْبَسُ بل يَغْلي فلم يزلْ يَغْلي حتى جاءَ أُناسٌ فقتَلُوا مِنْ رعِيَّة هذَا المَلِك سَبْعِينَ ألفًا، بعدَ ذلك هدَأ هذَا الدمُ، دمُ يحيى،ثم يَحيَى رأسُه دُفِنَ في مَكان ورِجْلُه في مَكان ويَدُه في مكانٍ وجِسْمُه في مَكان، فعلَى ما يقولُ بعضُ المؤرِّخينَ رأسُه في الشّام في دمَشْق ضِمْنَ مَسْجد الجَامع الأُمَويِّ الكبير. وُجِدَتْ مغَارةٌ في جانِبٍ منَ المسْجِد كانت مُخفَاةً ففُتِحَت بعدَ إعْلام الخَلِيْفَةِ الوَلِيدِ بنِ عبدِ المَلِك، بَعْدَ أن أعْلَمُوه فُتِحَتْ هذه المغارَةُ فجَاءَ هذَا الخليفةُ الوليدُ بنُ عبدِ الملك لَيْلاً بعدَ غروبِ الشمسِ فَفُتِحَت هذه المغَارَةُ فوجَدُوا صُنْدوقًا مُرَبَّعًا مُقْفَلاً فأَمرَ بفَتْح هذَا الصّندُوق ففُتِحَ فإذا فيهِ رأسُ يحيَى بنِ زكريّا عليهما السَّلام، لم يتَغَيَّر منهُ شَىء، ووجَدُوا في الصّندوق لوحًا مِنْ رُخام مكتُوبًا فيه هذَا رَأسُ يحيى بنِ زكريّا، فَمِنْ ذلكَ الوَقْتِ النّاسُ عَرَفُوا أنّ هُنا رأسَ يحيى بنَ زكرِيّا، هذَا قليلٌ مما قاسَاهُ مِنَ البَلاء في الدُّنْيا كذلكَ المسيحُ عيسَى قاسَى منَ البَلاء الشّىءَ الكثِيْرَ الكثيرَ، كذلكَ سيّدُنا محمَّدٌ وكلُّ نبيّ قبلَ ذلك أيضًا قاسَى مِنْ بلاءِ الدُّنْيا الشّىءَ الكثيرَ العظِيمَ الشّديد، ثم بعدَ الأنبياء جعلَ اللهُ حظَّ الأولياءِ الصّالحِين أكثَرَ مِنْ غَيرِهم، فالذي يَرزُقُه اللهُ تَعالى الثَّباتَ على الدِّين في هذه الدُّنيا والعَملَ الصَّالحَ ويُكثِرُ علَيه البلاءَ فلْيَعْلَم أنّ هذَا خَيرٌ له، لا يَقلْ لو كانَت عِبادَةُ اللهِ تَنفَعُني وكانتْ خَيرًا لي ما أصَابَتْني هذه البلايا، الذي يقولُ هذَا مَفْتُون، يَنقَلِبُ على عَقِبَيْه فيَهْلِكُ ويَصيرُ مِنَ الخَاسِرين، بعضُ النَّاس لما يُصابُونَ بمرَض شَديدٍ يَنقَلِبُون يَكفرونَ بالله، بَعضُهم يَكفُر وبَعضُهم يَترُك الصلاةَ فيَخْسَرُ وأشَدُّ مِنْ ذلك مَنْ يَكفُر مِنْ أجلِ البلاء، ثم مِنَ البلاءِ كَثرَةُ أذَى النّاس، هؤلاء الأنبياءُ أُوذُوا أَذًى شَديدًا، الكفّارُ آذَوهُم أذًى شَديدًا فصَبَرُوا فزَادُوا عندَ اللهِ تَعالى رِفْعَةً وجَلالَةَ قَدْر، وهكَذا الذي يَقتَدي بهم مِن غيرِ الأنبياء، مَن اقتَدى بالأنبياءِ وثَبتَ على الإيمانِ مع الشَّدائد التي تُصيبُه يكونُ منَ الفَائِزِين مِنْ أهلِ الدَّرجَاتِ العُلَى، فهذه المصائبُ التي كان يُقاسِيْها لما يكونُ على وَجْه الأرض، عندَما تَأتيهِ ملائكةُ الرَّحمةِ لِقَبْض رُوحِه، عَزرائيلُ يَقبِضُ الرُّوحَ هوَ يُخرج الروح مِنَ الجِسْم وهؤلاء يَستَلِمُونَ مِنْ يدِه، وهؤلاء ملائكةُ الرّحمَة مَنظَرُهم يَسُرُّ مِثل الشّمس، بِيْضٌ كالشَّمس، هو يَراهُم فيَدخُل عليهِ منَ السُّرور مَا لا يَعلَمُه إلا الله، برؤيَتهِم وبتَبشِيرهِم لهُ، يَنظُرونَ إليه نظَرَ مَحبَّةٍ واحتِرام، ليسُوا مثلَ مَلائكةِ العَذاب، ملائكةُ العَذاب صُوَرهُم مُفزِعَة سُودُ الوجُوه شَكلُهم شَىءٌ مُزعِج مُقلِق، هم الملائكةُ الله تَعالى جعَلَهم قِسمَين قِسمٌ ملائكةُ الرّحمة، هؤلاء ملائكةُ الرّحمةِ يَأتُونَ عبادَ اللهِ الصّالحِينَ يُبَشّرُوهم عندَ الموت وبعضُ الصّالحِينَ يَأتُونَهم وهم في حالِ صِحَّتِهم، يَزُورُونَهم مِن وَقتٍ إلى وَقتٍ لتَحصُلَ لهم نفَحَاتٌ أي زيادةُ تمَكُّن في طَاعةِ الله، وزيادَةُ حَلاوةِ الطّاعةِ، يَجِدُونَ في زيارةِ ملائكةِ الرّحمة فَوائدَ، أمّا ملائكةُ العذابِ فهُم مُهَيّأون للعَملِ في جَهنّمَ ولقَبضِ أرواح الكافِرينَ، بَعدَما يَقبِضُ عَزرائيلُ أرواحَ الكافِرينَ يَستَلِمُونَ مِن يَدِ عَزرائيلَ هذَا الرُّوحَ الكافِر، أمّا مُنكَرٌ ونَكِير فهما صَحَّ في حديثِ رسولِ الله أنّهما أسوَدان أزرَقان، الأسودُ إذا كانَ أزرَق يكونُ أشَدَّ مما إذا كانَ أسودَ بَرّاقًا لَمَّاعا، الله تَعالى جعَلَهما أسودَين أزرقَين ليَكُونا عَذابًا لما يَحصُل مِن رؤيَتِهما للكافِر في قَبرِه مِن الارتياع الشّديدِ الشّديد، أمّا المؤمنُ التّقيُّ لو رآهما بذلكَ اللّون أي السّوادِ لا يَخاف، الله تَعالى يُثبّت قَلبَه ويَملؤُه سُرورًا، فلا يَفزَع ولا يَرتاع مِن رؤيتهِما،مِن أينَ يَفزَع وقَد مَلأ اللهُ تَعالى قَلبَه سُرورًا لأنّه قَبلَ أن يَموت قبلَ أن يَدخُل القَبر بشَّرَتهُ مَلائكةُ الرّحمةِ وبَشّرَه عَزرائيلُ مِن ذلكَ الوقت، هوَ امتَلأ سُرورًا فلا يَخافُ الموت، الذي يَخافُه الآنَ تلكَ السّاعة لا يَخاف الموت، بل تَكونُ نَفسُه إلى الموتِ أسرَع لأنّه عَلِم أنّ مَا أمامَه خَيرٌ لهُ مما هوَ فيهِ مِن هذه الحَياةِ الدُّنيا، فعَلَيكُم بالصّبرِ والثّباتِ مَهما لاقَيتُم مِن أذَى النَّاس، مِن أذَى الجَاهلِين، الجاهِلُونَ يُعَادُونَ المتَمسّكِين بالدّين، اليومَ كثيرٌ مِن إخوانِنا يؤذَون، مِن جُملَة ما يُصِيبُهم مِنَ الأذَى أَنّهم تعَلَّمُوا أنّ مُصافحَةَ الرّجالِ للنّساء حَرامٌ في جميعِ المذاهِب لا يُرخِّصُ فيهِ عَالمٌ مسلِم إلا الجاهلُ أو المتَهتّك، العَالم المتَهتِّكُ أي الذي لا يُبالي إن خَالَف شَريعَة الله، يَمشِي مع هواه، بأنْ يكونَ هذَا العالِم مُتّبِعًا لهواه مسَايَرةً للنّاس يُصَافِحُ النّساء، هؤلاء جمَاعَتُنا لا يُصَافِحُونَ لأنّهم تعَلَّمُوا أنّه حَرام فيؤذُون. ويقولُ عنهم بعضُ النَّاس مِن أهلِهم وغَيرِهم مُعَقَّدِين.