روى الحافظ ابن الجوزي وغيره أن قتادة بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه وكان من الرماة المشهورين شهد معركتي بدر وأحد، أصيبت يومئذ عينه فسالت على خده رضي الله عنه، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعينه في يده، فقال: ما هذه يا قتادة؟ قال: هذا ما ترى يا رسول الله، فقال له رسول الله: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها لك ودعوت الله لك فلم تفقد منها شيئاً، فقال: والله يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل، ولكني مبتلى بحب النساء وإن لي امرأة أحبها وأخشى إن رأتني تقذرني (أي تكرهني)، ولكن أحبّ أن تردّ عيني إليّ وتسأل الله لي الجنة، فقال: أفعل ذلك يا قتادة، ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها إلى موضعها، فعادت أحسن ما كانت إلى أن مات، ودعا الله له بالجنة.
فكانت تلك العين التي ردّها النبيّ صلى الله عليه وسلم أحسن عينيه، أجملهما وأقواهما حُسناً وأحدَّهما أي أقواهما نظراً وكانت لا ترمد إذا رمدت العين الأخرى، وفي رواية أنه كان لا يدري أي عينيه أصيبت.
ودخل أحد أحفاده عاصم بن عمر بن قتادة على الخليفة الراشد العادل عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، فقال له عمر: من أنت يا فتى؟، فقال عاصم:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فرُدّت بكف المصطفى أحسنَ الردّ
فعادت كما كانت بأحسن حالها فيا حُسن ما عين ويا حُسن مِن ردّ
فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون.
وفي هذا الحديث فوائد جليلة منها بركة يد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعجزة ردّ العين لقتادة رضي الله عنه، وفيه استحباب عمر رضي الله عنه أن يُتوسل إليه بصحبة النبيّ وبمعجزة ردّ النبيّ عين جدّه قتادة، واعتباره ذلك منقبة عظيمة تستحق أن تكون سبباً للكرامة لديه رضي الله عنه، وفي كلام عمر دليل على الوهابية المجسمة يجعلون التوسل نوعاً من أنواع العبادة ويزعمون انه شرك بالله، فلو كان كذلك لكان عمر بن عبدالعزيز مشركاً والعياذ بالله، بل التوسل إلى الله تعالى عند أهل السنة والجماعة هو الطَلَبُ من الله تعالى حصولِ منفعة أو اندفاعِ مضرة بِذِكرِ اسم نبيّ أو وليّ إكراماً للمُتوسَّل به، وهذا ليس عبادة للمتوسَّل به إذ لو فهم العرب من التوسل أنه عبادة لكان عمر بن عبد العزيز مشركاً، ولكنه فهم ما فهمه العرب والمسلمون من التوسل ولذلك أكرم حفيد قتادة رضي الله عنهما وأحسن وفادته وقال “بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون