قَالَ الجنيد إمام الصوفية الصادقين رضي الله عنهم: أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مَعَ الفكرة فِي ميدان التوحيد.
كلام الجنيد يدل على فضل علم توحيد الله والتفكر في هذا الميدان من ميادين العلم تعلما وتعليما واجتهادا في نشره.
وليس الأمر كما يظن بعض الناس من أن الصوفية جماعة جهال مغفلون، فتراهم يحاولون أن يغشوا الناس بأسماء كبيرة، فهذا يسمي نفسه الشيخ فلان الرفاعي او القادري وما أشبه، ويصور نفسه لابسا عمامة ويكتب ما لا خطام له ولا زمام، يغش الناس بصورته التي قد تكون مستعارة، او باسمه الذي قد لا يكون اسمه الحقيقي.
الصوفية أهل علم وفقه ومعرفة، وعلى رأسهم الجنيد كذلك نقل عنه القشيري قال: تفرد الله بعلم الغيوب فعلم مَا كَانَ وَمَا يَكُون، وَعلم مَا لا يَكُون أَن لو كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُون.
وهو كلام عال رفيع في شرح صفة العلم لله.
قَالَ القشيري: دلت هذه الحكايات عَلَى أَن عقائد مشايخ الصوفية توافق أقاويل أهل الحق.
قال: وَهَذَهِ فصول تشتمل عَلَى بيان عقائدهم فِي مسائل التوحيد ذكرناها عَلَى وجه الترتيب، قَالَ شيوخ هذه الطريقة فِي التوحيد: إَن الحق سبحانه وتعالى موجود قديم، واحد حَكِيم، قادر عليم، قاهر رحيم، مريد سميع، مجيد رفيع (عالي القدر)، متكلم بصير، متكبر قدير، حي أحد، باق صمد. وهو عالم بعلم، قادر بقدرة، مريد بإرادة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام (لا حرف ولا صوت ولا لغة ولا لسان)، حي بحياة، باق ببقاء. وهِيَ صفات لَهُ أزلية ونعوت سرمدية.
وهو تعالى أحدي الذات لَيْسَ يشبه شيئا من المصنوعات ولا يشبهه شَيْء من المخلوقات، لَيْسَ بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا صفاته أعراض (والأعراض صفات المخلوقات)، ولا يتصور فِي الأوهام ولا يتقدر فِي العقول، ولا لَهُ جهة ولا مكان، ولا يجري عَلَيْهِ وقت وزمان، ولا يَجُوز فِي وصفه زيادة ولا نقصان. ولا يجري فِي سلطانه إلا مَا يشاء، ولا يحصل فِي ملكه غَيْر مَا سبق بِهِ الْقَضَاء.
مَا علم أَنَّهُ يَكُون من الحادثات أراد أَن يَكُون، وَمَا علم أَنَّهُ لا يَكُون مِمَّا جاز أَن يَكُون أراد أَن لا يَكُون.
خالق أكساب الْعِبَاد خيرها وشرها، مبدع مَا فِي العالم من الأعيان والآثار قليلها وكثيرها، ومرسل الرسل إِلَى الأمم من غَيْر وجوب عَلَيْهِ.
قال القشيري: فَهَذِهِ فصول تشير إِلَى أصول المشايخ (يعني ساداتنا الصوفية) عَلَى وجه الإيجاز وبالله التوفيق.
فدل كلام القشيري وقبله الامام الجنيد على أن التصوف ليس جهلا وتلبيسا وغشا، ولكنه علم وعمل وزهد واتباع السنة وفق ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة.