روى البخاري في صحيحه من حديث أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ“.
قوله صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم” أخرج الكافر لأنه رتب على ذلك كون ما أكل منه يكون له صدقة، والمراد بالصدقة الثواب فى الآخرة وذلك يختص بالمسلم لأن الكافر لا ثواب له على عمله مهما كان ظاهره حسناً إلا أن الكافر في حقيقة الأمر لا أجر له ولا ثواب على عمله لأن عاقبته إلى النار والعياذ بالله تعالى، ويدخل في ذلك من سب دين الإسلام أو سب القرآن أو اعتقد في الله ما لا يليق به تعالى من الجهة والمكان نص عليه أبو حنيفة، والتجسيم كذلك كفر نص على ذلك الشافعي وأحمد، أو اعتقد أن العبد يخلق أفعاله نص عليه مالك رضي الله عنه، كل ذلك ضلال ولا عبرة بأي قول يخالف ما قاله الأئمة الأربعة رضي الله عنهم.
وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض، ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها، وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة وحمل ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين، فمنه حديث ابن مسعود مرفوعا “لا تتخذوا الضيعة فترغبوا فى الدنيا” الحديث، قال القرطبى: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين، وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها. وفي رواية لمسلم”إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة” ومقتضاه أن أجر ذلك يستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولا منه ولو مات زارعه أو غارسه. وفي الحديث جواز نسبة الزرع إلى الآدمي.
وهذا الحديث فيه أكبر حض من نبي الإسلام على العمل، لأن المسلم حين يعلم أن نبيه قال ذلك تتضاعف همته الداعية له إلى العمل حيث إنه يرجو من ذلك إصلاح معاشه وثواب آخرته وأداء ما عليه من نفقة واجبة والقيام بالإحسان الزائد عن النفقة الواجبة، ولكن على ألا يكون هذا العمل مما لا يستحسنه الشرع.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً كَانَ لَهُ بِهَا أَجْرٌ”، رواه الإمام أحمد من حديث جَابِرٍ، فهذا أبلغ حث على العمل وترك الكسل