لا تثبت شرعا صفة لله بحديث ضعيف.
قال الحافظ ابن الصلاح الكردي الشهرزوري: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير الحلال والحرام وغيرهما كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد. انتهى
وبذلك يعرف فساد ما يذهب اليه الحشْوية جماعة ابن تيمية من التمسك بظواهر أحاديث ضعيفة في العقائد، منها حديث يقال له حديث أبي رزين قال قلتُ يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلُق خلقَهُ؟ قال: كان في عماء ما تحته هواءٌ وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء. قال أبو عيسى الترمذي: قال أحمد بنُ منيعٍ قال يزيدُ بن هارون: العماء أي ليس معه شيء.
قال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ما نصه: هذا الحديث تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدُس وليس لوكيع راوٍ غيرُ يعلى، والعماء السحاب. ثم قال: اعلم أن الفوق والتحت يرجعان إلى السحاب لا إلى الله تعالى، و”في” بمعنى فوق، فالمعنى كان فوق السحاب بالتدبير والقهر. ولما كان القوم يأنسون بالمخلوقات سألوا عنها، والسحاب من جملة خلقه (تعالى)، ولو سُئل (النبي) عما قبل السحاب لأخبر أن الله تعالى كان ولا شيء معه، كذلك روي عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان الله ولا شيء معه. انتهى
وليعلم أن الاحتجاج بالأحاديث في الاعتقاديات اشترط فيه بعض أهل السنة التواتر كالآمدي، واشترط الحافظ الخطابي ان يكون الحديث مشهورا للاحتجاج به في أمور العقائد دون الآحاد، وبهذا قال علماء المذهب الحنفي فهذان أي المتواتر والمشهور يُحتج بهما في العقائد كما يُحتج بهما في الأحكام، أما ما نزل عنهما فلا يُحتج به في العقائد عند من قبلوا بأحاديث الآحاد الا بشرط الاتفاق على توثيق كل رواته لا يكون خلاف في توثيقهم وهو ما يفهم من كلام الامام احمد.
فهذا الحديث انفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدُس وليس لوكيع راو غير يعلى وهما مجهولان.
وفي اسناده حماد بن سلمة، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قال الإمام أحمد بن حنبل في ترجمته إنه لما طعن في السن ساء حفظه فلذلك لم يحتج به البخاري، وأما مسلم فاجتهد فيه وأخرج من حديثه عن ثابت مما سمع منه قبل تغيره فالاحتياط أن لا يُحتج به في ما يُخالف الثقات.
وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: وتـغير حفظه في آخرة. وقال الحافظ ابن حجر أيضا في تهذيب التهذيب مترجما وكيع ابن عُدُس: قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: غيرُ معروف، وقال ابن القطان مجهول الحال.
فتبين أن هذا الحديث ليس مشهورا فضلا عن كونه متواترا بل هو ضعيف لا يُحتج به في العقائد.
وهو مؤول ليس على ظاهره المتبادر على ما سننقله من تأويلات أهل السنة.
قال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات ما نصه: هذا الحديث تفرد به يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس ويقال ابن عُدُس ولا نعلم لوكيع بن عدس هذا راويا غير يعلى بن عطاء..، ثم يؤوله البيهقي يقول: وكأنه قال في جوابه كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره كما قال في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ويعني البيهقي حديث البخاري “كان الله ولم يكن شيء غيره“.
وقال أبو عبيد الهروي وهو من كبار اللغويين: وقال بعض أهل العلم معناه أي كان عرش ربنا فحذف اختصارا كقوله: {واسئل القرية} أي أهل القرية ويدل على ذلك قوله وكان عرشه على الماء. اهـ
يعني انه على حذف المضاف وهو معروف شائع عند العرب.
وقال الحافظ ابن حبان في صحيحه عقب روايته لـه: وَهِمَ في هذه اللفظة حماد بن سلمة، يريد به أن الخَلْقَ لا يعرفون خالقهم من حيث هم إذ كان (تعالى في الازل) ولا زمان ولا مكان. ومن لم يُعرف لـه زمان ولا مكان ولا شيء معه لأنه خالق كل شيء، كان معرفة الخلق إياه كأنه كان في عماء (اي) عن علم الخلق، لا أن الله كان في عماء إذ هذا الوصف شبيه بأوصاف المخلوقين. انتهى
وقال المحدث عبد الله الغماري في فتح المعين ما نصه: إن ظواهر بعض النصوص التي فيها أن الله في السماء ليس مرادا عند العلماء وإنما هو مؤول لأن الله لا يُسأل عنه بأين، ولم يثبت هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا. ومن أخذ بظاهر هذه النصوص فإنه يكون بذلك معتقدا حلول معبوده في خلقه لأن السماء خَلْقٌ من خَلْقِ الله تعالى، فإذا كان الله فيها كما تزعم المجسمة أو ينـزل (بذاته) في الثلث الأخير من الليل إلى الطبقة السُفلى منها فمعناه كما هو واضح أنه حالٌّ بها وأنها أوسع وأكبر منه وهذا باطل من القول بداهة. وأين ذهب قوله تعالى عن بعض خلقه وهو الكرسي {وسع كرسيه السموات والأرض}. وكذلك أين ذهب قوله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة مُلقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة، رواه ابن حبان وسعيد بن منصور بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح.اهـ
فدل ما تقدم على فساد ما تمسك به المشبهة، وعلى ان الحديث على ضعفه، ليس على ظاهره كما قال ابن الجوزي والبيهقي اللذين صرحا بأن في اسناده مطاعن، وهما من كبار علماء الحديث، وأولهما من كبار فقهاء الحنابلة المنزهين لله عن مشابهة خلقه، وليس هو (اي ابن الجوزي) ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية الضال. فرق كبير بين ابن الجوزي الفقيه العالم، وابن قيم الجوزية المنحرف عن عقيدة اهل السنة والجماعة.