رمضان شهر الخيرات، ومع اقتراب هلاله المبارك أذكركم إخواني بما ننبه عليه كل سنة من أنه لا يؤخذ بقول المنجمين والحسّاب والفلكيين في معرفة دخول رمضان وانتهائه إجماعاً بين المذاهب الأربعة وغيرها من مذاهب أهل السنة والجماعة، وننبه كذلك على بعض الأمور التي لا أصل لها:
– لا أَصْلَ لِمَا يُقالُ “إنهُ لا يَجُوزُ الأَكْلُ بعدَ النيةِ فِي الصِّيامِ لَيلاً” والحُكمُ أَنهُ لَوْ نَوَى بَعْدَ المغرِبِ أَنْ يَصُومَ يومَ غَدٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ ويَشْرَبَ ويجامِعَ زوجته إلَى مَا قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “إنهُ مَنْ نَامَ طيلةَ النَّهارِ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّ صِيامَهُ لا يَصِحُّ”. والحُكْمُ أَنهُ إِنْ نَوَى الصيامَ ثم نامَ قَبلَ الفَجرِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى دخل المغرب فصيامُهُ صحيحٌ.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “الزِّواجُ في شَهْرِ رَمَضانَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ”. وَالحكمُ أنَّ الزِّواجَ في شهرِ رَمَضانَ حَلالٌ ولا كَراهيةَ فيهِ فيَجُوزُ أَنْ يَخْطبَ ويَعْقِدَ ويُجامِعَ شَرْطَ مُراعاةِ أحْكامِ الصيامِ. ومِنْ مُراعاةِ أحكامِ الصيامِ أَنْ لا يُجامِعَ أَثْنَاءَ النَّهار، ومجرد القبلة لا تفطر الصائم نص عليه خليل في مختصره.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “إنَّ الغِيبَةَ تُفَطِّرُ الصَّائمَ” معَ كونِ الغيبَةِ مَعْصِيَةً بِلا شكٍّ لكنها ليْسَتْ مُفَطِّرة، قالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ رَحِمَهُ اللهُ “لَوْ كانَتِ الغِيبَةُ تُفَطِّرُ الصَّائِمَ لَمَا صَحَّ لَنَا صَوْمٌ“.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “إِنَّ الزكاةَ لا تَكونُ إِلا فِي شَهرِ رَمَضانَ”. والحكمُ أَنَّ الزَّكاةَ تَجِبُ إذَا حالَ الحَوْلُ عَلَى النِّصابِ في المالِ الحولِيِّ أَيِ انْقَضَى علَى وُجودِه في مِلكِهِ عَامٌ قمَرِيٌّ فيَجِبُ عليهِ أَدَاءُ الزكاةِ سَواء كانَ ذلكَ في رَمَضانَ أو شَعبانَ أو رَجَبٍ أو أَيِّ شَهْر. وَإِنْ أَخَّر بغيرِ عُذْرٍ فَقَدْ عَصَى، فَإِنَّ تأخيرَ الزكاةِ عن وَقْتِها حَرام، قالَ تعالَى: “وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه” (سورة الآنعام، الاية 141).
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “لا يَصِحُّ الصومُ مِنْ غَيْرِ صَلاة، وَيَقُولونَ الصائِمُ بلا صلاةٍ كَالرَّاعي بِلا عَصَا”. الحكمُ أَنَّ هذا الكلامَ خِلافُ الدينِ فالصومُ يَصِحُّ مًا لَمْ يَرْتَكِبِ الصائِمُ أَيًّا مِنَ الْمُفَطِّراتِ كتَناوُلِ الطعامِ أَوِ الشرابِ أو الجماعِ أو الوُقوعِ في الرِّدَةِ عَنِ الإِسلام. تَارِكُ الصلاةِ يَرْتَكِبُ كلَّ يومٍ خمسَ كَبائِرَ بسبَبِ تَرْكِهِ للصَّلاةِ لكنَّ ذلك لا يُفْسِدُ الصومَ. حَتَّى إِنَّ بعضَ الناسِ والعياذُ بِاللهِ إِنْ رَأَوُا امرَأَةً لا تَسْتُرُ رَأْسَهَا عندَ خُروجِها مِنَ البَيْتِ وتكونُ مُدَاوِمَةً على الصلاةِ وتُراعِي أحكامَ الصلاةِ، هذهِ يقولونَ عنهَا لا تَصِحُّ صلاتُها فهذَا الكلامُ لا أَصْلَ لَهُ ألبتَّةَ ما قالَ ذلكَ أَحَدٌ مِنْ المسلِمين.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “شَمُّ الوَرْدِ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ”. الحكمُ أن مُطْلَقَ الشَّمِّ للوَرْدِ وغيرِهِ مِنَ الرَّوائِحِ الطَّيبَةِ أوِ الخبيثَةِ لا يُفَطِّرُ ما لَمْ يَدْخُلْ شَىءٌ لَهُ حَجْمٌ مِنْ منفَذٍ مفتوحٍ إلَى الجوفِ.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “بَلْعُ الرِّيقِ يُفَطِّرُ الصائمَ”. الحكمُ أَنَّ بَلْعَ الرِّيقِ لا يُفَطِّرُ الصائِمَ، فالقولُ بِإِفطارِ مَنْ بلعَ ريقَهُ الذِي لَمْ يُخَالِطْهُ غَيْرُهُ فيهِ إلزامٌ للصائِمِ بِجُهْدٍ وَمَشَقَّةٍ وَعُسْرٍ، فبَعْضُ الناسِ يَبْصُقُونَ دَائِمًا لَمَّا يَصومُونَ مَخافَةَ أَنْ يُفْطِرُوا بِزَعْمِهِم وهَذَا مِنْ شِدَّة جَهلِهم.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “إنَّ الجماعَ في ليلِ رَمَضانَ حَرامٌ”، الحُكمُ أَنَّ بعدَ دخولِ المغرِبِ لِلصَّائِمِ أَنْ يَأْكُلَ ويَشْرَبَ ويُجامِعَ إلَى ما قَبْلَ وَقْتِ دُخُولِ الفَجْرِ فَعِنْدَئِذٍ يُمْسِكُ.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “إِنَّ الاغتِسالَ أو السباحَةَ حَرَامٌ بِقَصْدِ الانتِعاشِ”. الحكمُ أَنَّ الاغتسالَ أَوِ السباحَةَ ولو بعدَ الظُّهرِ وَلَوْ مِنْ أَجْلِ الانتِعاشِ فهذَا لا يَضُرُّ طالَمَا لَمْ يَدخُلْ إلى جوفِهِ الماءُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوح، والأذن مختلف في كونها من المنافذ مفتوحة أم لا.
– لا أصلَ لِمَا يُقالُ “لا يَجوزُ الصيامُ معَ الجنابَةِ”. الحكمُ أَنهُ لَوْ بَقِيَ الصائمُ كُلَّ رمضانَ جُنُبًا بعد جماع مثلا أو احتلام، فهذَا لا يُؤَثِّرُ علَى الصيامِ مُطْلَقًا إِنَّمَا ارْتَكَبَ كبائِرَ كَثِيرَةً بسبَبِ تَرْكِهِ للصَّلاةِ المفروضَةِ وقد ثَبَتَ في الصحيحِ أَنَّ رسولَ اللهِ كانَ يُدْرِكُهُ الفجرُ وهو جنُبٌ مِنْ أهلِهِ وَهُوَ صَائِم.
– لا أصلَ لِحديثِ “خَمْسٌ يُفَطِّرنَ الصائِمَ: النظرةُ الْمُحَرَّمَةُ والكَذِبُ والغِيبَةُ والنَّميمَةُ والقُبْلَة”. هذَا مَكْذُوبٌ على النبِيِّ، ولكنْ بَعضُها يُذْهِبُ ثوابَ الصيامِ كالنَّميمَةِ وهيَ نَقْلُ الكَلامِ بينَ شخصَيْنِ علَى وَجْهِ الإِفْسَادِ.
– لا أصلَ لما هو شائعٌ جدًّا قولُهم “الزواجُ بينَ العيدَيْنَ حَرام”، أو قولُهُمْ “مَكروه” وَمَنْ قالَ بشَىءٍ من ذلكَ ففيهِ تكذيبٌ لِلشَّرعِ وذلكَ لِمَا رَوَى الإمامُ مُسْلِمٌ عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنهَا قالَت: “تزوَّجنِي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في شَوَّالٍ وبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ“.
فائدة: السحور يكونُ في وَقْتِ النصفِ الثانِي مِنَ الليلِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ بَرَكَةَ السحورِ يأكُلَ ضمنَ الوقتِ المخصَّصِ وهوَ مِنْ مُنْتَصَفِ الليلِ إلى الفَجْرِ، ويحصُلُ التَّسَحُّرُ ولو بِجَرْعَةِ مَاء، فتسحّروا وصوموا رمضان، إخواني وأخواتي، لوجه الله تعالى