في التبرّك بزيارة سيدنا النبيّ الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن زار قبري وجبت له شفاعتي” رواه الحافظ تقي الدين السبكي وقال حديث حسن. وسنية ذلك محلّ إجماع عند المسلمين، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: “فإنها من أفضل الأعمال وأجلّ القربات الموصلة إلى (رضا) ذي الجلال، وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع“.
وأما جماعة ابن تيمية المشـبّهة فهم يحرّمون السفر لزيارة النبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ويستدلون بحديث البخاري: “لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ الأَقْصَى”. وهذا الحديث لو كان كما يفسّرونه في أنه على عمومه في تحريم السفر إلى غير هذه المساجد الثلاثة، للزم من ذلك تحريم كلّ السفر ولو للتجارة أو زيارة رحم أو حتى للنزهة والتداوي، وهذا بلا شك ليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم كما نص عليه العلماء، وإنما الحديث مقيد بمن أراد السفر للصلاة إلى مسجد غير هذه الثلاثة، لعدم مزية مضاعفة الصلاة في غيرها.
وفي تحريم ابن تيمية لذلك يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري: “وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدباً لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال، وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب“.
يقول ابن حجر إن ما روي عن الإمام مالك محمول على أنه كره اللفظ أدباً، وإنما يقال زرت النبيّ لأنه صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره كما ثبت في حديث البيهقي “الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون“.
وأما دليل كون الحديث مخصوصاً بالمساجد فهو رواية الإمام أحمد رضي الله عنه عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِي وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ صَلاَةٌ فِي الطُّورِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: “لا يَنْبَغِى لِلْمَطِيّ أَنْ تعمل إِلَى مَسْجِدٍ تُبتغى فِيهِ الصَّلاَةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ والْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي” والمطيّ والمطايا الدواب يسافر عليها.
وفي كتاب المعيار المعرب في فتاوى أهل إفريقية والمغرب لأبي العباس الونشريسي المالكي المتوفى سنة تسعمائة وأربع عشرة ما نصه: وسئل بعض القَرويين (من العلماء الفقهاء) عمّن نذر زيارة قبر رجل صالح أو حيّ فأجاب: زيارة أو رباط أو غير ذلك من الطاعة غير الصلاة فيلزمه الإتيان إليه، وحديث: “لا تُعمَل المطيّ” مخصوص بالصلاة، وأما زيارة الأحياء من الإخوان والمشيخة ونذر ذلك والرباط ونحوه فلا خلاف في ذلك، والسنة تهدي إليه من زيارة الأخ في الله والرباط في الأماكن التي يرابط بها. وتوقف بعض الناس في زيارة القبور وآثار الصالحين، ولا يتوقف في ذلك لأنه من العبادات غير الصلاة، ولأنه من باب الزيارة والتذكير لقوله صلى الله عليه وسلم: “زوروا القبور فإنها تذكركم الموت”، وكان صلى الله عليه وسلم يأتي حراء وهو بمكة ويأتي قُباء وهو بالمدينة، والخير في اتباعه صلى الله عليه وسلم واقتفاء آثاره قولاً وفعلاً لا سيما فيمن ظهرت الطاعة فيه“.
وفي ضمن كلام الونشريسي أن عمل المسلمين جرى على التبرك بزيارة القبور المباركة عكس عقيدة التيميين، فتبين بذلك أنهم شاذون عن الأمة في نحلتهم المعروفة وهي محاربتهم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والأولياء ومحاربة زيارة قبور الصالحين بقصد التبرك والاعتبار، وهذا منهم فساد كبير وتحريم لما أحلّ الله تعالى وتكفير للمسلمين وتبديعهم بغير حق، والعياذ بالله تعالى