ذكر أبو عبدالله الحليمي وهو من كبار فقهاء الشافعية من أئمة أهل الحديث، قال فيه الذهبي “العلامة البارع رئيس أهل الحديث بما وراء النهر”، توفي سنة 403، ما نصه: “وإذا قال الكافر لا إله إلا ساكن السماء لم يكن مؤمناً لأن سكان السماء هم الملائكة، وإن قال لا إله إلا الله ساكن السماء كان هذا زيادة كفر منه لأن السكن غير جائز على الله تعالى واحتظار الأمكنة ليس من صفاته” سبحانه ليس كمثله شيء.
وأما استدلال المجسمة المشبهة بحديث الجارية وفيه لفظ “أين الله” قالت “في السماء”، فهو حديث مضطرب رواياته متعددة متشعبة، من رواه في كتبه من المحدثين بهذا اللفظ لم يذكره في كتاب الإيمان لما في إسناده ومتنه من اضطراب كما أشار إلى ذلك الحافظان الكبيران البيهقي وابن حجر العسقلاني، والبخاري قبلهما أعرض عن ذكره في صحيحه، وظاهره تردّه الأحاديث المتواترة بأن الدخول في الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، وأنه لا يصح إجماعاً الدخول في الإسلام بقول “الله في السماء” وهو ما ذكره الحليمي وقد تقدم ولا معارض فكان إجماعاً، فيستحيل أن يحكم الرسول لشخص ما بالإيمان والإسلام لمجرد قوله “الله في السماء” لأن الأمة لا تجمع على باطل كما جاء في الحديث الشريف، وهو ما أفاده القرآن كذلك نص عليه الشافعي، والإجماع قائم على أنه لا يصح الدخول في الإسلام بقول “الله في السماء” لأن هذا اللفظ تقول به النصارى واليهود فلم يكن والحال كذلك علامة على الدخول في دين الإسلام.
ثم ظاهره مناقض للحديث المتواتر: “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ” رواه البخاري وغيره كثيرون بألفاظ متقاربة.
قال الحافظ اللغوي مرتضى الزبيدي رواه خمسة عشر صحابياً رضي الله عنهم.
فإذا قال قائل من المجسمة المشبهة يدّعي زوراً أنه من “أنصار السنة” أو من السلفية إن الله في السماء بذاته، يستدلّ بقول الله تعالى “ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض” (الملك، 16)، قلنا له المراد بالآية جبريل عليه السلام وهو الملك الموكل بالخسف كما قال الإمام فخر الدين الرازي (606 هـ.) في تفسيره، ومتى دخل الاحتمال بطل الاستدلال كما قال العلامة المالكي المفسر النحوي أبو حيان الأندلسي رحمه الله، فاستدلالهم تمويه فاسد لترويج الباطل.
ويدل على أن الآية ليست على ما يقولون من أن الله في السماء بذاته قوله تعالى: “وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله” (الزخرف، 84)، والله ليس في الأرض بذاته اتفاقاً منا ومنهم، فكما لا يجوز حمل هذه الآية على الظاهر من أن الله في الأرض وفي السماء في الوقت عينه، كذلك لم يجز حمل تلك على الظاهر من أن الله في السماء بذاته، وهو باطل من القول ومنكر وزور لأن الله خالق السماء وكان قبلها موجوداً لا يحتاج إليها، بدليل حديث البخاري “كان الله ولم يكن شيء غيره”، فمن زعم أن الله خلق السماء ثم جعل نفسه فيها فهو غير عارف بربه لأن الله تعالى لا يتغـيّر، بل هو الذي يغيّر المخلوقات سبحانه.
قال الله تعالى واصفاً نفسه في آية الكرسي: “له ما في السموات وما في الأرض” فالله مالك من في السماء وما في السماء، ولا يقال الله مالك نفسه، فوجب التحذير مما يعتقده المشبهة المجسمة والانقياد للحق الذي تقبله العقول السليمة وهو ما نص عليه أبو حنيفة رضي الله عنه وهو من كبار أئمة السلف توفي سنة 150 للهجرة، قال في كتاب الوصية: “وهو (أي الله تعالى) حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجًا لَمَا قَدرَ على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه كالمخلوقين، ولو كان في مكان محتاجًا للجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله”، يريد أن الله كان قبل المكان وقبل العرش بلا مكان ولا عرش، وأنه لا يحتاج إليهما ولا إلى سواهما