كان الإمام الكبير أحمد الرفاعي رضي الله عنه متواضعًا في نفسه خافضًا جناحه لإخوانه، غير مترفع وغير متكبر عليهم.
روي عنه أنه قال: “سلكت كل الطرق، فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الافتقار والذل والانكسار“.
فقيل له: يا سيدي فكيف يكون؟
قال: “تُعظِّم أمر الله وتُشفق على خلق الله وتقتدي بسنة سيدك رسول الله صلى الله عليه وسلم“.
صدقت يا سيدي يا أبا العلمين حامل لواءي الشريعة والحقيقة، رضي الله عنك من سيد عالم علم للحق والحقيقة، سليل الأشراف وإمام الصوفية المحققين رضي الله عنهم.
وكانَ الشيخ أحمدُ الرفاعيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يُسَمَّى شيخَ العُريجا لأنَّهُ ذَهَبَ إلى قريةٍ لهُ فيها أتباعٌ مِنْ أهلِ طَرِيقتِه فاستقبَلُوهُ، وكانت بينَهم بنتٌ صغيرةٌ حَدْباءٌ عَرجاءٌ قرعاءٌ كانَتْ أمّها مِن جماعةِ الشيخِ فلمّا رأتِ السيد أحمد قالتْ له: سيّدِي بناتُ القرية يَسْتَهْزِئنَ بِي فَكَرِهت نَفْسِي مِن ذلك، فدَعَا اللهَ تعالى لها ومسحَ مواضِعَ العِلّةِ فاستقامَ ظهرُها وتعافَتْ رجلُها ونَبَتَ شَعرُها في الحال بمشيئة اللهِ تعالى.
ومن عظيم كراماتِه التي أكرمَهُ الله تعالى بها لصدق اتباعه الشريعة المحمدية وأن له المرتبة العليا بين أهل الله، أنَّهُ عامَ حَجّهِ الأوّلِ سنَةَ خمسٍ وخمسينَ وخمسمائةٍ لَمَّا وصَلَ الى المدينةَ المنورة وَتَشَرَّفَ بزيارةِ جَدّهِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَقَفَ تُجَاهَ القبرِ الشَّريفِ وقال: السَّلامُ عليكَ يا جَدّي، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْرِهِ الشريفِ: وعليكَ السلامُ يا وَلَدِي، سَمِعَ ذلكَ كُلُّ مَن في الحرمِ النَّبَوي الشريفِ، فَسَقَطَ السَّيّدُ أحمدُ على الأرضِ فَنُودِيَ مِنَ القَبْرِ الكريم على سَاكِنِهِ أفضلُ الصلاةِ والتسليم أن قُمْ فَإِنّي آخِذٌ بِيَدِكَ وَبِيَدِ ذُرِّيَتِكَ وأَتْبَاعِكَ وَمُحِبِّيْكَ في الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَة، فقامَ الرّفاعيُّ رضيَ اللهُ عنهُ وأنشَد:
في حالةِ البُعْدِ رُوحِي كُنْتُ أُرْسِلُهَا… تُـــقَبّـــلُ الأرضَ عَـنّـي وهْــيَ نــائِــبَــتِــــي؛
وَهَذهِ دَوْلَةُ الأشباحِ قَدْ حَضَـــــــرَتْ…
فَامْدُدْ يَمِيْنَكَ كَي تحظَى بِهَا شَفَتِي؛
فَبَدَأَتِ الأنوارُ تتلاطَمُ، ومَدَّ جَدُّهُ عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ يدَهُ يقظة فَقَبَّلَهَا السيد أحمد والحاضرونَ يَنْظُرُون مقرين له بالتقدم عليهم لما نال من كرامة رسول الله وعطفه ومحبته لسلوك السيد أحمد باب التواضع والانكسار فكان أعلاهم رضي الله عنه.
وهذه الحادثة ثابتةٌ صحيحة رواها الإمامُ الرافعيُّ وهو من كبار أئمة الشافعية في كتابِه سَوادِ العَينين في مناقب ابي العلمين، وأثبتها أيضا العلامةُ أحمدٌ القشاشي الأنصاري في كتاب الدُّرَّةِ الثَّمينة، وكذا أثبتها وصحّحَها خَلْقٌ كثيرٌ منَ الحفّاظ والمحدثينِ والعارفين حتى إنَّ الحافظ السُّيوطيَّ ساقَ إسنادَ هذه القصةِ من عدّةِ طُرُقٍ ثم قال: “ومنَ المعلومِ أنَّ هذه المنقبةَ المباركةَ بلغتْ بينَ المسلمينَ مبلغَ التواترِ وعَلَتْ أسانيدُها وصحّت رواياتُها واتفقَ رواتها”، ولا عبرة بإنكار من أنكرها فإن لدى المثبت لها زيادة علم لا يرد لمجرد انكار ما لا يحيله شرع ولا عقل، فمن المعلوم ان الأنبياء احياء في قبورهم يصلون كما هو نص حديث البيهقي، ومن المعلوم أن الله على كل شيء قدير.
ومما يدل على علو مقامه في علوم أصول الدين قوله رضي الله عنه: “غايةُ المَعرفةِ باللهِ الإيقانُ بِوُجُودِهِ تَعَالى بلا كَيْفٍ ولا مَكَان”،