إنَّ الإِسلامَ بدَأَ غَريبًا وسَيعودُ غريبًا كما بدأَ فطُوبى لِلْغُرباء

Arabic Text By Jul 03, 2014

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الْحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، لهُ النِّعْمَةُ ولهُ الفضْلُ ولهُ الثَّناءُ الْحَسَن، صَلَواتُ اللهِ البرِّ الرَّحيم، والْملائِكَةِ الْمُقرَّبينَ، على سيِّدنا مُحمَّدٍ، أشرفِ الْمُرسلينَ، وعلى جَميعِ إخْوانِهِ منَ النَّبيينَ والْمُرْسَلِينَ، وسلامُ اللهِ عليهِم أجْمَعينَ.

أَمَّا بَعْدُ فقد روى مُسْلم والبيهقي، أنَّ رسُولَ اللهِ قال:

إنَّ الإِسلامَ بدَأَ غَريبًا وسَيعودُ غريبًا كما بدأَ فطُوبى لِلْغُرباء”، قيلَ: ومنْ هُمُ الغُرباءُ يا رَسولَ الله،

قال: “الَّذينَ يُصلِحونَ مِنْ سُنَّتي ما أفْسَدَ النَّاسُ،

وسنَّةُ الرَّسُولِ هيَ شَريعتُهُ، أي العَقِيدَةُ والأحْكَامُ.

في هذا الْحديثِ بِشَارَةٌ لِمَنْ يتمَسَّكُ في هَذَا الزَّمَنِ الَّذي فَسَدَتِ الأُمَّةُ فِيهِ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ، أي شَرِيعَتِهِ وهي العقيدة والأحكام.

إذا قالَ الْمُشَبِّهُ: “إنَّ القُرءانَ والْحديثَ يدُلاّنِ على أنَّ اللهَ تعالى مُتحيِّزٌ في جِهَةِ فوْقٍ”، كيفَ يُرَدُّ عليْهِ؟

الرَّدُّ يكونُ بالدَّليلِ النَّقليِّ،

لأنَّ هذهِ الفِرْقةَ، فِرْقةَ التَّشبيهِ تقولُ: “نُثْبِتُ للهِ ما أَثْبَتَ لِنفْسِهِ وننفي عنْهُ ما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ،

ويريدون بكلامِهِم هذا أنَّهُمْ يُثبتونَ للهِ مُشابَهَةَ الْخَلْقِ.

أمَّا قولُهُم: “وَنَنْفي عَنُهُ ما نَفَى عَنْ نَفْسِهِ”، يُريدونَ بِذَلِكَ نَفْيَ تَنْزِيهِ اللهِ عنِ التَّحيُّزِ في الْمَكَانِ والْجِهَةِ، وَعَنِ الْجِسْمِيَّةِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أوْصَافِ الْجِسْمِ، كالْحَرَكَةِ والسُّكُونِ والانْتِقَالِ والانْفِعَالِ إلى غيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَجْمِ.

القُدَماءُ مِنْهُم كَانَ قِسْمٌ مِنْهُمْ يقولُ: “هُوَ حَجْمٌ لَطِيفٌ نُورٌ يتلألأُ،

أمَّا هؤلآءِ الَّذينَ في هذا العَصْرِ يقولونَ عَنِ اللهِ:

جِسْمٌ كثيفٌ”، بِدَلِيلِ قَوْلِهِم إنَّهُ في الآخِرَةِ لَمَّا يُقالُ لِجهنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ؟ فتقولُ: هَلْ مِنْ مَزيد إِنَّ اللهَ تعالى يَضَعُ قَدَمَهُ فيها ولا يَحْتَرِقُ، فَهَذَا دَليلٌ على أنَّهُمْ مُجَسِّمَةٌ.

أَمَّا الْرِّجْلُ مَا وَرَدَ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ للهِ تعالى، بَلْ وَرَدَ عَلَى مَعْنًى ءَاخَرَ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، يُقَالُ في لُغَةِ الْعَرَبِ: “رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ” أَيْ فَوْجٌ مِنْ جَرَادٍ،

فَالْحَديثُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الْرِّجْلِ مُضَافًا إِلى اللهِ هُوَ حَدِيثُ:

إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَمْلأُ يوْمَ الْقِيَامَةِ جَهَنَّمَ بِفَوْجٍ مِن خَلْقِهِ”، كَانُوُا مِنْ أَهْلِها في عِلْمِ اللهِ تعالى،

لَيْسَ أَهْلُ الْنَّارِ يَدْخُلونَ الْنَّارَ دُفْعَةً وَاحِدَةً كُلُّهُم، لا، بَلْ يَدْخُلُ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذِلِكَ فَوْجٌ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَوْجٌ،

فَالْفَوْجُ الأَخِيرُ هُوَ الَّذِي وَرَدَ في الْحَدِيثِ: “فَيَضَعُ رِجْلَهُ فِيهَا”، رِجْلَهُ مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ مِنْ خَلْقِهِ الَّذِينَ هُمْ حِصَّةُ جَهَنَّمَ.

عَنْ هَذَا عَبَّرَ رُسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلِهِ:

يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتََلأتِ؟ فَتَقُوُلُ: هَلْ مِنْ مَزِيد؟ فَيَضَعُ الْجَبَّارُ رِجْلَهُ فِيهَا، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ، فَتَقُولُ قَطٍ قَطّ”(رواه البخاري)

أَيِ اكْتفَيّتُ، اكتَفَيتُ، مَعْنَاهُ وَجَدْتُ مِلْئِي، وَجَدْتُ مَا يَمْلَؤنِي. “فَيَنْزَوي بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ

مَعْنَاهُ عِنْدَمَا يُرسِلُ اللهُ فَوْجًا جَدِيدًا، ءَاخِر فَوْجٍ، الْنَّارُ تَتَقَلَّصُ، كَانَتْ تَتَّسِعُ ثُمَّ هِيَ تَتَقَلَّصُ مَعَ هَؤُلاءِ، بِأَكْلِ هَؤُلاءِ،.

رِجْلَهُ” مَعْنَاهُ الْفَوْجُ الأَخِيرُ الَّذِينَ يُقَدِّمُهُمْ لِلنَّارِ،

تَقُوُلُ الْعَرَبُ: “رِجْلٌ مِنْ جَرادٍ” أَيْ فوْجٌ مِنْ جَرَادٍ،

أَمَّا مَنْ توَهَّمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ للهِ تعالى رِجْلاً بِمَعْنَى عُضْوٍ

فَهُوَ كافِرٌ مُشَبِّهٌ للهِ بِخَلْقِهِ،

لا يَنْفَعُهُ انْتِسابُهُ إلى الإسْلامِ، لأَنَّ مَنْ لَمْ يعرِفِ اللهَ لا تَصِحُّ عِبادَتُهُ.

كذلِكَ رِوَايَةُ الْقَدَمِ: “فَيَضَعُ فِيهَا قَدَمَهُ” مَعْنَاهُ الْشَّىْءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ اللهُ لِجَهَنَّمَ،

أَئِمَّةُ اللُّغَةِ قَالُوا: القَدَمُ مَا يُقَدِّمُهُ اللهُ تَعَالى لِلنَّارِ،

لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ عُضْوًا فَيُقَدِّمُ هَذَا الْعُضْوَ في النَّارِ، أَيْ يُدْخِلُهُ فِيهَا، تَنَزَّهَ رَبُّنَا عَنْ أَنْ يَكُوُنَ لَهُ عُضْوٌ.