علماء المذاهب الأربعة من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة حذروا في مؤلفاتهم من الوقوع في بعض المنكرات العظيمة التي تحبط الحسنات وتذهب ثواب الأعمال الصالحات وتودي إلى الهلاك العظيم.
وهم أخذوا ذلك من كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ (سورة محمد).
وقال النبي العظيم صلى الله عليه وسلم: “أكثر خطايا ابن آدم من لسانه” رواه الطبراني.
وكما أن للوضوء نواقض وللصيام مبطلات، كذلك للإيمان نواقض ومبطلات تفسده، والكفر أي الخروج من الإسلام أبوابه ثلاثة هي: التّشبيهُ والتّكذيبُ والتّعطيلُ.
التّشبيهُ: أي تشبيهُ الله بخلقه، كالذي يصفُ اللّه تعالى بأنّهُ جالسٌ على العرش أو متحرك أو ساكن أو أن له كيفية أو أنّ له شكلاً وهيئةً أو يصفه بأنّ له مكانًا أو جهةً، هذا كفر كمن يصف الله بالجسمية، نص عليه الشافعي وأحمد رضي الله عنهما.
قال الامام الطحاوي: ومن وصف الله بمعنى من معاني (اي بصفة من صفات) البشر فقد كفر.
التّكذيبُ: أي تكذيبُ ما ورد في القُرآن الكريم أو ما جاء به الرّسُولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم على وجهٍ ثابتٍ كإنكار بعث الأجساد والأرواح معًا وإنكار وُجُوب الصّلاة والصّيام والزّكاة، واستحلال الخمر كذلك كفر.
التّعطيلُ: وهُو نفيُ وُجُود الله تعالى أو نفي صفة من صفاته الواجبة له تعالى إجماعاً ككونه قادراً أزلياً، وهذا أشدُّ الكُفر.
والكافرُ نوعان: إمّا كافرٌ أصليٌّ أو مُرتدٌّ عن الإسلام. فالكافرُ الأصليُّ هُو من نشأ من أبوين كافرين على الكفر وبلغ على الكُفر. أمّا المُرتدّ عن الاسلام فهُو الشّخصُ الذي كان مُسلمًا ووقع في نوع من أنواع الرّدّة.
قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعدَ إيمانِكُم﴾ (سورة التوبة).
فالرّدّةُ هي الخُرُوجُ من الإسلام، فيجبُ على كلّ مُسلمٍ أن يحفظ إسلامهُ ويصُونهُ عن هذه الرّدّة التي تُفسدُهُ وتُبطلُهُ وتقطعُهُ والعياذُ بالله تعالى. ولا يرجع المرتد إلى الاسلام إلا بالنطق بالشهادتين بلسانه، كذلك الكافر الاصلي لا يدخل في الاسلام الا بذلك.
وأقسامُ الرّدّة ثلاثةُ كما قسّمها العلماءُ النووي في روضة الطالبين وغيره: كُفرٌ اعتقاديٌّ، وكُفرٌ فعليٌّ، وكُفرٌ قوليٌّ.
وكُلُّ قسمٍ من أقسام الرّدّة يدخُلُ تحتهُ شُعبٌ كثيرةٌ.
1- الكُفرُ الاعتقاديُّ: كنفي وجود الله تعالى أو نفي قدرته او علمه، أو اعتقاد أن الله عاجزٌ أو جاهلٌ، أو اعتقاد أنّ الله جسمٌ أو ضوءٌ أو رُوحٌ، أو أنّه يتّصفُ بصفةٍ من صفات الخلق كالجلوس على العرش والعياذُ بالله تعالى، أو اعتقاد أن شُرب الخمر حلالٌ أو أنّ السّرقة حلالٌ، أو اعتقاد أنّ الله لم يفرض الصّلوات الخمس أو صيام شهر رمضان، أو الزّكاة أو الحجّ.
2- الكفرُ الفعليُّ: كإلقاء المصحف أو أوراق العُلُوم الشّرعيّة عمدًا في القاذُورات أو النجاسات، أو السُّجُود لصنمٍ أو لشمسٍ أو مخلُوقٍ آخر على وجه العبادة لهُ، وكذلك كتابة الآيات القُرآنيّة بالبول أو الحيض كما يفعل بعض السحرة، او الاعانة على ذلك او طلب من غيره فعل ذلك، كفر هو الذي طلب ومن فعله كذلك كفر.
3- الكُفرُ القوليُّ: كسبّ الله تعالى وشتمه أو سبّ نبيّ من الأنبياء أو ملكٍ من الملائكة أو سبّ الإسلام أو القُرآن أو الاستهزاء بالصّلاة أو الصّيام، أو الاعتراض على اللّه.
قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: “إنّ العبد ليتكلّمُ بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النّار سبعين خريفًا” رواهُ الترمذيُّ، أي مسافة سبعين عامًا في النُّزُول وذلك مُنتهى قعر جهنّم وهُو خاصٌّ بالكُفّار، وهذا الحديثُ دليلٌ على أنّهُ لا يُشترطُ في الوُقُوع في الكُفر معرفةُ الحُكم ولا انشراحُ الصّدر ولا اعتقادُ معنى اللّفظ ولا نية الكفر.
وقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أكثرُ خطايا ابن آدم من لسانه” رواهُ الطبراني.
والقاعدةُ: أنّ كُلّ اعتقادٍ أو فعلٍ أو قولٍ يدُلُّ على استخفافٍ بالله أو كُتُبه أو رُسُله وكل الرسل مسلمون مؤمنون، أو ملائكته أو شعائره أو معالم دينه أو أحكامه أو وعده أو وعيده كُفرٌ فليحذر الإنسانُ من ذلك جهدهُ.
وليُعلم أنّ من كفر لا يرجعُ إلى الإسلام إلا بالنُّطق بالشهادتين بعد رجوعه عن الكفر، فلا يرجع الكافر إلى الإسلام بقول أستغفرُ اللّه بل يزيده ذلك كفرًا، ولا تنفعه الشّهادتان ما دام على كفره لم يرجع عنه