قالَ مشاهيرُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة كالإمام أبي بكر البيهقي (متوفى سنة 458 للهجرة) إنَّ كلامَ اللهِ تعالى واحدٌ أزليٌّ أبديٌّ كسائرِ صفاتِهِ منْ قدرتِهِ ومشيئتِهِ وعلمِهِ وسمعِهِ وبصرِهِ وحياتِهِ. كلامه تعالى صفته بلا كيف، لا حرف ولا لغة ولا لسان.
وأمّا قولُ اللهِ تَعَالَى في القرآنِ الكريم: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [سورة الكهف، 109]، فالتعبيرُ فيهِ هنا بلفظِ الجمعِ هو لتعظيمِ كلامِهِ تعالى، وليسَ لأنَّ كلام الله متعدِّدٌ ككلامِ الخلقِ، فإنَّ الخلقَ هم الَّذِينَ يتكلَّمونَ كَلامًا يتخلَّلُهُ سكوتُ ويكونُ مؤقَّتًا بوقْتٍ.
مَعْنَى الآية أن كلامُ اللهِ ليسَ شيئًا لَهُ أَبْعَاض وأجزاء، الله منزه عن الجسمية والجزئية.
إِنَمَا هو كلامٌ واحِدٌ وإنمَا قالَ تعالَى “كلمات” بلفظِ الجَمْعِ لِلتَّعظيمِ ولَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ سبحانه كَلامًا أجزاء متعاقبة. في القرآنِ في موضِعٍ وَرَدَ ﴿وَكَلِمَةُ اللهِ﴾ وَوَرَدَ ﴿كَلِمَاتُ اللهِ﴾ بِلَفْظِ الجمعِ وَبِلَفْظِ الإِفْرادِ. كمَا أنَّ اللهَ عبَّرَ عن نفسِهِ بلفظِ الجمعِ وبلفظِ الإِفْرادِ، ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ سورة الإخلاص / 1، هَذَا صريحٌ فِي الإِفرادِ وَعبَّرَ عَنْ نفسِهِ بلفظِ الجَمْعِ، قالَ تعالَى: ﴿إنَّا نَحْنُ نُحيِي وَنُمِيتُ﴾ سورة ق / 43، وَهُوَ تعالى وَاحِدٌ لا شريك له، لكن عَبَّرَ عن نفسِهِ بِلَفْظِ الجَمعِ وَهُوَ واحِدٌ ليسَ جَمْعًا. وَعَبَّرَ بِلَفْظِ ﴿وَكُنَّا فاعِلِين﴾ سورة الأنبياء / 79، وَهُوَ فاعِلٌ واحِدٌ، خالقٌ واحِدٌ. كذلِكَ قالَ ﴿كَلماتُ اللهِ﴾ سورة لقمان / 27، لِلتَّعظيمِ، كَمَا عَبَّرَ عن نفسِهِ بنَحْنُ وَهُوَ وَاحِدٌ ليسَ اثْنَيْنِ وَلا ثلاثَةً ولا أَكْثَرَ.
قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة: كذلكَ ذِكْرُ اليدِ مضافةِ إلى اللهِ لا بمعنى الجارحة. ذكرت اليد بلفظِ التثنيةِ ولفظِ الجمْعِ للتَّعظيم، ليسَ لأنَّ اللهَ تَعَالَى لهُ يدانِ اثنتانِ ولا أيْدٍ كثيرةٍ منَ الجوارحِ. الله منزه عن ذلك.
الله تعالى قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقولِهِ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}،
قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي (ت 371 هـ) في “اعتقاد أئمة الحديث” ما نصه: والله بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم خلق آدم بيده ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف”.
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي (ت 388 هـ) في ما رواه عنه الحافظ البيهقي في [الأسماء والصفات] ما نصه: “إن الذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن يعلمه أن ربنا ليس بذي صورة ولا هيئة، فإن الصورة تقتضي الكيفية وهي عن الله وعن صفاته منفية“.
وكذلك قالوا في العينِ أضافَهَا اللهُ إلى نفسِهِ بلفظِ الإفرادِ وبلفظِ الجمعِ، قال تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}، وقال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}، قالوا معناه العناية والحفظ ذكره الحافظ ابن حجر في شرح البخاري حيث قال باستحالة الجسمية على الله تعالى لأن الجسم حادث وهو تعالى قديم، هذا نص الحافظ ابن حجر رحمه الله.
كذلك عَبَّرَ الله عن ذاتِهِ تعالى بلفظِ الجمعِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} وقالَ: {إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، هنا كلمةُ فاعلينَ من حيث اللفظ جَمْعٌ، لكِنْ لم يُرِدْ الله بها الجمعَ من حيث الحقيقة، إنما أرادَ الله بها ذاتَهُ المُقدَّسَ الواحدَ الأحدَ العزيز الكريم الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء، سبحانه،