قال الفقيه المحدث الشيخ عبدالله بن محمد الهرري رحمه الله ورحم كاتبها وناشرها آمين:
والصحابة كلهم في الاعتقاد على مِنوالٍ واحد لا يختلفون في الاعتقاد، إنما الاختلاف بينهم في الأمور الفرعية. اختلف اجتهادُ أبي بكر عن اجتهاد بعض الصحابة، واختلف اجتهاد عمر عن اجتهاد بعض الصحابة في الأمور الفرعية، في الأحكام الفقهية ليس في أصول العقائد، لا اختلاف بينهم في أصول العقائد، فهذه المسألة (اي مسألة ان كل شيء بتقدير الله) مسألة اعتقاديّة هي من أصول العقائد، ليس بين الصحابة اختلاف في أصول العقيدة. الاختلاف في العقيدة ضرر، أمّا الاختلاف في الفروع ليس ضَرَراً لأنّ فيه رحمة على البشر. فإذا اختلف اصحابُ رسول الله في مسألة فرعية في الأحكام كان في ذلك نفعٌ لأنّ بعضَ الناس يكونُ أسهلَ علَيهم اجتهادُ هذا وبعضُ الناس يكون أسهلَ عليهم اجتهادُ الآخر، فيأخذ هذا المقلّد بما يراه أسهَل عليه، وذلك ليس عيبًا.
ثم اجتهاد واحدٍ منهم قد يختلف وهذا ليس عيباً بل يكون هذا دليلاً على قوّة نظر هذا الصّحابي لأنه لما قال باجتهاده الأول بوجهٍ ثم تغير اجتهادُه فقال بوجه آخر، دَلَّ ذلك على أنّه واسِع الفِكر. هذا لا يراه أهلُ العِلم عيبًا. سيدنا عمر كان له في مسألة الجدّ مع الإخوة أي إذا ترك الميّت جدّاً وإخوةً، في كيفية تورِيثهم له، كان له أقوال وآراء مختلفة حتى قيل له إنّك قضَيتَ يا أمير المؤمنين فيما مضى عامَ الأوّل بغير هذا، بغير ما تقضي به الآن، فقال: “ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي”، (رواه البيهقي).
كذلك سيّدنا علي اختلف رأيه في بعض المسائل فقال مرَّة برأي ثمّ قال برأي غيرِه يخالفُه، كذلك غيرهُما من أكابر الصَّحابة من مجتهديهم، لأنّ الصحابة ليسوا كلهم مجتهدين بل المجتهدون منهم أقَلُّ من الذين لا يستطيعون أن يجتهدوا في الأحكام، فكان من بلغ منهم مرتبة الاجتهاد يأخُذ باجتهاده، ولا يَعيبُ على المجتهد الآخر. لكن إذا ظهر من أحدهم انَّه أغفَل حديثاً من أحاديث رسول الله التي قالها الرسول، لم يسمعها، فاجتهد فقال برأيه فالآخر منهم ينبِـّهُهُ يقول له أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فيرجع ذاك الصحابيُّ عن رأيه يقول إنما كان ذلك رأيًا منّي. لا يتشبّث، لا يقول أنا قلت فيما مضى كيف أرجع عن قولي، بل يرجع عن قوله ويعتذر يقول إنّما كان ذلك رَأيًا منّي يتركه ويأخذ بالحديث الذي بلغَهُ من لسان هذا الصحابي، وكلٌّ منهما صحابي، لكن لم يكن كلُّ صحابيّ يسمَع من الرسول ما يسمَعُه الصّحابي الآخر، كانوا من أهل الأشغال، كان أحدُهم يغيب برهة لحاجاته المعاشيّة ثمّ أحدُهم كان له عملٌ في نخلِه فيغيب بعض الأوقات عن رسول الله ويكون الآخرون حضروا وسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن سمعه ذاك الذي غاب. كانوا حريصين على تبليغ العلم فكان أحَدُهم إذا حضَرَ رسولَ الله يومًا فسمع منه حديثًا يبلّغ صديقَه الذي غاب، يقول له اليوم حدّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم بكذا وكذا فيستفيدُ منه، كانوا هكذا يتعاونون على الخير (رضي الله عنهم).
انتهى كلام شيخنا رحمه الله