قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وقد أَخَذَ بمنكِبِه: “كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيل”، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ، رواه البخاري في صحيحه.
يريد رضي الله عنه الإكثار من الخيرات وفعل الحسنات أيام الصحة قبل المرض ثمّ الموت، الله يرحمنا ويسدّدنا، آمين.
وروى الحافظ محمد مرتضى الزبيدي رحمه الله عن نبيّ الله عيسى قال عليه السلام: “الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمُروها”.
والقنطرة ما يبنى على النهر مثلاً للعبور عليه.
فكلام سيدنا رسول الله عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام موافق لما جاء به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتقلل من متاع الدنيا وبهجتها وزينتها.
سيدنا عيسى لم يكن له بيت، ينام حيث يبلغ به المساء، كان يرحل من مكان إلى آخر يأكل من حشائش الأرض وبقولها بلا طبخ ومن دون تعريضها للنار. يدعو بدعوة الإسلام ويأمر الناس بالتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، وهذا سيرة ونهج كلّ الأنبياء. كلهم دعوا إلى الإسلام، أولهم آدم عليه الصلاة والسلام وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام.
قال الله تعالى في سورة المائدة: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَن اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ” الآية.
قال الإمام الماتريدي رضي الله عنه إن قول عيسى “تعلم ما في نفسي” أي تعلم يا ربي ما كان مني، “ولا أعلم ما في نفسك” أي لا أطلع على غيبك يا ربي “إنك أنت علام الغيوب”، اهـ
وقريبا من هذا المعنى ما قاله اسيادنا اهل العلم ان معنى الآية تعلم ما في سري وﻻ اعلم ما في سرك، اي ﻻ اعلم ما اخفيته عني، قالوا النفس هنا بمعنى السر.
ونقل النووي في شرح مسلم عن المازري قال: النفس تطلق في اللغة على معان منها الدم ومنها نفس الحيوان (اي روحه) وهما مستحيلان في حق الله تعالى، اهـ. أي لأن ذلك صفة المخلوق، أما الله تعالى فهو بخلاف كل ما تتوهمه عقول البشر، ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء