الرسول بعثه الله معلماً صلى الله عليه وسلم؛
أذكركم أسيادي بكثرة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن لها فضلاً عظيماً عند الله تعالى.
ولكن ليعلم أنه وإن يكن للصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم ومدحه فضل عظيم كبير، إلا أن الاشتغال بعلم الفقه الأكبر وهو علم أصول الدين والتوحيد وكذلك علم فروع الفقه على طريقة أهل السنة والجماعة، أفضل من الاشتغال بأوراد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن يكن فضلها عظيم جليل.
والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ رضي الله عنه: يا أبا ذرّ لأن تغدوَ فتتعلم آية من كتاب الله خيرٌ لك من أنْ تصليَ مائة ركعة (أي من السنن النوافل)، ولأنْ تغدوَ فتتعلم باباً من العلم عُمِلَ به أو لم يُعْمَلْ خيرٌ لك من أنْ تصليَ ألف ركعة (أي من السنن كذلك)؛ رواه ابن ماجه في سننه.
وقال الحافظ الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين (ج3 صحيفة 277): “واستماع العلم النافع في الآخرة أفضلُ من اشتغاله بالنوافل من الصلوات، فقد روى أبو ذرّ جُندبُ بن جنادة عن النبيّ أنّ حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة (أي من النوافل)، وفي خبر آخر: لأنْ يتعَلم أحَدُكم باباً من العلم أو يُعَلمه خيرٌ له من صلاة ألف ركعة (أي من النوافل)، قيل: يا رسول الله ومِنْ قراءة القرآن أيضاً؟، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “وهل تنفعُ قراءة القرآن إلا بعلم” .انتهى
ولذلك قال الفقهاء إنّ غدُوّ الشخص أي ذهابه إلى عالمٍ (أي ثقة يخاف الله ولا يفتي إلا بالحق، لا من إخوان سيد قطب ولا من أتباع ابن تيمية)، فيتعلم باباً من العلم أفضلُ من ركعات التراويح والوِتر في رمضان كله، فإنّ عددها في ثلاثين ليلة سِتمائة وتسعون ركعة، فيكون معنى الحديث أنّ الذي يَغدو إلى عالم تقيّ ثقة فيتعلم باب الاستنجاء أو باب التيمم أو باب غسل الجنابة أو باب الوُضوء أو ما أشبه ذلك، أفضلُ من هذه الرّكعات السّتمائة والتسعين التي هي رَكعات التراويح مع الوتر.
وفضلُ الاشتغال بالعِلم درجته عالية ولا سيما لمن اشتغل في نشر عقيدة أهل السنة والجماعة. ثم إنّ كل الأعمال لا تقبَلُ إلا أنْ توافق الشرع، وموافقة الشرع وعَدَمُ موافقته لا يُعرف ذلك إلا بالعِلم.
لأجلِ هذا ينبغي صَرْف أكثر الوقت في العلم، حفظه ونشره وتعلمه وتعليمه، فقد جاء في سنن الدارمي أنّ رسول الله مرّ بمجلسين في مسجده فقال: كلاهما على خير وأحَدُهما أفضلُ من صاحبه، أمّا هؤلاء فيَدْعون الله ويَرْغبون إليه فإنْ شاء أعطاهم وإنْ شاء مَنعَهُم، وأمّا هؤلاء فيتعَلمون الفقه أو العلم ويُعلمونَ الجاهل فهُم أفضلُ، وإنما بُعِثت مُعلماً قال ثم جلس فيهم؛ أي مع الذين يتعلمون العلم.
وقال الحافظ النوويّ في مقدّمة منهاج الطالبين: فإن الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات وأوْلى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات أي أفضل ما شغلت به الأوقات الطيّبة، فالعلم حياة الإسلام. والعلم هو سلاح دفع شبَه المفسدين (كالذين يعتقدون أن الله جالس على العرش وهو كفر لأن الجلوس من صفات المخلوقات) فالإنسان الذي لا يتسلح بسلاح العلم مهما كان متعبّدا ومهما كان مكثرا للذكر فهو عُرْضة لأن تشوّش بعض الجماعات الفاسدة الضالة خاطِرَهُ فتميله إليهم، لأنهم يقولون قال الله تعالى كذا، فيضعون الآية في غير محلها، ويقولون قال رسول الله كذا، فيضعون الحديث في غير محله. فمن لم يتعلم علم الدين قد يَتبعُهُم أو يقع في الشك ويبقى حائراً تائهاً والعياذ بالله تعالى،