لا يجوز الفطر في شهر رمضان لمكلف غير معذور.
لا يوجد من علماء الإسلام من قال إن الإنسان الذي هو صحيح البدن غير مريض ولا مسافر ولا معذور كحائض يجوز له ترك الصيام ودفع الفدية مطلقاً من غير قيد، والاستدلال بالآية 184 من سورة البقرة استدلال في غير محله ففي صحيح البخاري مع شرحه لابن حجر رحمه الله ما نصه:
باب، “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ”، قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الاكْوَعِ نَسَخَتْهَا “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُنَ” وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِى ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ
فانظر إلى قوله “حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم” فهو ما كان عليه الصحابة من تفسيرها بوجه ثم ترك هذا التفسير حين نزلت “وأن تصوموا خير لكم” ولم يفهم أحد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم التخيير بين الصيام والفدية وإلا كان نقل ذلك عنهم وعن غيرهم من أهل العلم من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا، وهذا غير موجود إلا ان يكون ممن دينه منحل يتبع هواه.
لا يوجد من قال إن الآية معمول بها إلى الآن وهو يريد بذلك ترك الصيام لمن دفع الفدية وإن يكن غير معذور.
قال الحافظ ابن حجر: قوله: (باب قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع: نسختها (شهر رمضان الذى أنزل فيه – إلى قوله – على ما هداكم ولعلكم تشكرون)..، ثم قال ابن حجر بعد ذكر جملة من الأحاديث بأسانيدها: واتفقت هذه الأخبار على أن قوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية) منسوخ، وخالف فى ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه.
وفي كتاب التفسير من البخاري: باب قَوْلِهِ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَالَ عَطَاءٌ يُفْطِرُ مِنْ الْمَرَضِ كُلِّهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِى الْمُرْضِعِ أَوْ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَامَ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ يُطِيقُونَهُ وَهْوَ أَكْثَرُ
الشرح من ابن حجر: قوله: (وقال عطاء: يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى) وصله عبد الرزاق عن ابن جريح قال: قلت لعطاء من أى وجع أفطر فى رمضان؟ قال: فى المرض كله، قلت: يصوم فإذا غلب عليه أفطر؟ قال: نعم.
وللبخارى فى هذا الأثر قصة مع شيخه إسحاق بن راهويه ذكرتها فى ترجمة البخارى من” تعليق التعليق” وقد اختلف السلف فى الحد الذى إذا وجده المكلف جاز له الفطر، والذى عليه الجمهور أنه المرض الذى يبيح له التيمم مع وجود الماء، وهو ما إذا خاف على نفسه لو تمادى على الصوم أو على عضو من أعضائه أو زيادة فى المرض الذى بدأ به أو تماديه.
وعن ابن سيرين: متى حصل للإنسان حال يستحق بها اسم المرض فله الفطر، وهو نحو قول عطاء، وعن الحسن والنخعى: إذا لم يقدر على الصلاة قائما يفطر.
قوله: (وقال الحسن وإبراهيم فى المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران ثم تقضيان) وأما أثر الحسن فوصله عبد بن حميد من طريق يونس بن حميد عن الحسن هو البصرى قال: المرضع إذا خافت على ولدها أفطرت وأطعمت والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت، وهى بمنزلة المريض.
ومن طريق قتادة عن الحسن: تفطران وتقضيان. وقول إبراهيم النخعى قال: الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرنا وقضتا صوما.
قوله: (وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر) وروى عبد حميد فى طريق النضر بن أنس عن أنس أنه أفطر فى رمضان وكان قد كبر، فأطعم مسكينا كان يوم.
وفي البخاري كذلك: عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فَلَا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا
الشرح من ابن حجر: قوله: (قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة) هذا مذهب ابن عباس، وخالفه الأكثر، وفي هذا الحديث الذى بعده ما يدل على أنها منسوخة.
وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية، وكان هذا فى أول الأمر عند الأكثر، ثم نسخ وصارت الفدية للعاجز إذا أفطر، وقد تقدم فى الصيام حديث ابن أبى ليلى قال “حدثنا أصحاب محمد لما نزل رمضان شق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم فى ذلك فنسختها “وأن تصوموا خير لكم” وأما على قراءة ابن عباس فلا نسخ لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه فيفطر ويكفر (بتشديد الفاء من الكفارة وليس الكفر)، وهذا الحكم باق. وفى الحديث حجة لقول الشافعي ومن وافقه أن الشيخ الكبير ومن ذكر معه إذا شق عليهم الصوم فأفطروا فعليهم الفدية خلافا لمالك ومن وافقه. واختلف فى الحامل والمرضع ومن أفطر لكبر ثم قوى على القضاء بعد فقال الشافعي وأحمد: يقضون ويطعمون. وقال الأوزاعى والكوفيون: لا إطعام