قال شيخنا عبدالله الهرري رحمه الله ورحمنا به
الحمدُ لله ربِّ العالمين لهُ النِّعمة وله الفضلُ ولهُ الثّناءُ الحسن، صَلواتُ الله البرّ الرّحيم والملائكةِ المقرّبين على سيدنا محمد أشرفِ المرسلين وعلى آله وجميع إخوانِه مِنَ النّبيّين والمرسلين وسلامُ الله عليهم أجمعين،
قولُه صّلى الله عليه وسلّم في حديثِ السِّتّة الذين أخبر صلى الله عليه وسلَّم أنهم ملعونُونَ لَعنهُم رسول الله ولعنهُم كلُّ نبي مجاب :” والمستَحِلُّ لحرم الله” معناه أن الذي يَستَرسِلُ في المعاصي الكبيرة في حَرَم الله أي مَكّةَ، حرَمِ مكّةَ وحَرمِ المدينة، أي أنّ هذا الذي استَحلَّ حرَمَ الله تعالى فهوَ أحَدُ أولئك السِّتّة الذين قال الرسولُ لَعنتُهم ولعَنهُم الله ولعَنهُم كلُّ نبيّ مُجَاب، والمرادُ بالحرَم هو مَا حَدَّدَهُ إبراهيمُ عليه السّلام بوَحيٍ منَ الله مِن أراضي تحيطُ بمكّةَ، هذِه الأرضُ يقال لها حَرمُ الله، فإنّ إبراهيمَ عليه السلام هوَ حَرَّم مكّةَ أي بيَّن حُدُودَ حرَمِ مكّةَ بوحْيٍ مِن اللهِ تعالى، نَصَبَ أَعْلامًا حتى تُعرَفَ بالنِّسبةِ لمن يكونُ في عصرِه وبالنِّسبَة لمن يأتي بعدَ ذلك، فالذي يَعصِي الله تعالى ببَعض أنواعِ المعاصي والظُّلم هناكَ ذَنبُه مُضاعَفٌ على ذلكَ الذّنب في غَيرِ حَرمِ مكّةَ وليسَ معنى ذلك أنّ كُلَّ مَعصيةِ يفعَلُها الإنسانُ في مَكّةَ تَكونُ مُضاعَفةً، وما اشتَهر عندَ بعضَ الناس أن حسَنَةَ الحرَم بمائةِ ألفٍ وسيِّئةَ الحرَم بمائةِ أَلف فهو غيرُ صحِيح إنما الصّحيحُ الثّابِتُ عن رسول الله أنّ الصلاةَ في مكةَ تُضاعَفُ إلى مائةِ ألفِ صَلاةٍ بالنِّسبةِ لغَيرِه مِنَ المسَاجِد، حتى إنّ الصّلاةَ بالمدينةِ تَفْضُلُها الصّلاةُ بمكّةَ بمائةِ ألفٍ، والصّلاةُ بالمدينةِ صَحَّ في الحديثِ أنها بألفِ صلاةٍ بالنسبةِ لغَيرِه أي لغَيرِ مَسجِدِ رسولِ الله والصّلاةُ في المسجِد الأقصَى تُضاعَفُ إلى خمسِمائة ،معنى هذه المضاعفَةِ أنّ الصّلاةَ بمكةَ تكونُ أفضلَ مِن مائةِ ألفِ صلاةٍ في مسجِد الرّسولِ، وأنّ الصلاةَ في مَسجِد الرّسولِ تكونُ بألفِ صَلاةٍ في غَيرِه أي المسجِد الأقصى، وهنا يُلاحَظُ التَّضعِيفُ بالنِّسبةِ العدَدِيَّة، المعنى أنّ الصّلاةَ في المسجِد الحرام أفضَلُ مِنَ الصّلاةِ بالمدينة مَضروبةً بخمسِمائةٍ أي أنّ الصّلاةَ في المدينةِ بخمسِمائةِ ألفِ صَلاةٍ، فتَكونُ الصّلاةُ الواحِدَةُ في المسجِد الحرَام مَضروبةً بخمسِمائةِ ألف، العدَدُ الذي يَحصُلُ مِن ذلك هو مَبلَغُ المضاعفَةِ، هذا الذي ثبَتَ عن مضَاعفَةِ الحسَنةِ في المسجِد الحرام وفي المسجِد النّبوي وفي المسجِد الأقصى، ولم يَثبُت أنّ أيّةَ حسَنةٍ تُفعَلُ في المسجِد الحرَام أنها تُضاعَفُ إلى هذا القَدْر، هذا غيرُ ثابِت إنما يَذكُرُه كثيرٌ مِنَ الفُقَهاء في كتُبهم لكنهُ غيرُ ثابِت، هذا بالنِّسبة للأجرِ ليسَ بالنِّسبةِ لتَبرئة الذِّمّةِ، فمَنْ كانَ عليهِ قضاءٌ ثم ذهَب إلى مكّةَ فصَلّى فيها لا تُغنِيْهِ الصّلاةُ التي يَقضِيها هناكَ عن قضَاءِ صَلاتَين أو أكثرَ مِن حيثُ تَبرئة الذِّمةِ فهيَ كالصّلاةِ في غيرها، لكنْ مِن حيثُ مُضاعفَةُ الأجرِ تكونُ مُضاعفَةً إلى هذا الحدّ، ثم السّيئاتُ لا يُضاعَفُ شَىءٌ منها في المسجِد الحرَام أو في مَسجِد الرّسولِ إلا مَن عمِلَ مِنْ ظُلمٍ كبيرٍ، مَثلاً قَتلُ نَفسٍ مؤمنةٍ بغَير حَقٍّ أو قَطْعُ الطّرَف ظُلْمًا وعُدوانًا أو فقأ عَينٍ ظُلمًا وعدوانًا وما أشبَه ذلكَ، هذا الذي قال اللهُ فيه :” ومَنْ يُرِدْ فيهِ بإلحادٍ بظُلْمٍ نُذِقْهُ مِن عذَابٍ ألِيم ” يعني أنّ الذي يَجني جِنايةً أي يَظلِمُ ظُلمًا كبيراً في المسجِد الحرام حتى لو لم يُنفّذْ لكنّهُ أرادَ، اللهُ تبارك وتعالى جعَلَ جزاءَه عَذابًا أليمًا لأنهُ تعالى قالَ ومَن يُرِدْ فِيه، هذا أبلَغُ مِن أن يُقالَ ومَن يَفعَلْ فيهِ ظُلمًا، فأفهَمَنا الله تباركَ وتعالى بهذه الآيةِ أنّ مَن يَفعلُ الظُّلمَ أي بعضَ أنواعِ الظُّلم وهوَ مَا كانَ كبِيرًا كالجِنايةِ على النَّفس أو الأطرَافِ أو ما يُشبِهُ ذلكَ في مكّةَ، في المسجِد الحرام، ومَن أرادَ ذلكَ ولم يَفعَلْ أي حَتَّمَ ذلكَ ولم يفعَلْ فإنّهُ يَستَحِقُّ عَذابًا ألِيمًا، هذا الذي يَصِحُّ أن يقالَ إن المعصيةَ في الحَرم تَزيدُ على المعصيةِ في غَيرِ الحرَم، أمّا مُطلَقُ أنواع المعاصِي فلا يجوزُ تَعمِيمُه لأنّ هذا الحديثَ لم يَثبُت، حديثُ: حسنَة الحرم بمائةِ ألفِ حسَنة وسيئةُ الحرَم بمائةِ ألفِ سيّئة، النّاسُ أُولِعُوا بحُبّ المُبالغَة، كم مِنْ فُقهاءَ يَذكُرونَ هذا في كتُبهِم، في مؤلفاتهِم، قالوا حسَنةُ الحرَم بمائةِ ألفِ حسَنة على الإطلاقِ مِن غَيرِ تقيِيدٍ بالصّلاةِ وأنّ سيئةَ الحرَم بمائةِ ألفِ سيئةٍ، وما كان ينبغي لهم ذلكَ لأنّهُ لم يَرِدْ في ذلكَ حديثٌ صحيحٌ ثابِت، ثم إنّ الفقهاء قال بعضُهم المضاعفَةُ أي مُضاعَفةُ الصّلاةِ إلى هذا القَدْر تحصُل لمن صَلّى في المسجِد الحرام أي في القَدْرِ الذي يَصحُّ الطّوافُ فيه وهو ما يَلي الكعبةَ إلى مسَافَةٍ مَعلومةٍ، هذه المسافَةُ في زَمنِ الرّسولِ كانت قصيرةً ثم زِيْدَ فيها بعدَ الرّسولِ ثم بلَغتِ الزِيادةُ إلى أضعافِ أضعافِ مَا كانَت عليهِ في زمنِ الرّسول لكنّ الحُكمَ ثابِت، القَدرُ الذي كان في زمَنِ الرّسولِ مُهيَّأً للصّلاةِ فيه وما أُضِيفَ إليهِ بَعدَ ذلكَ إلى عَصرنا هذا فالمضاعَفةُ أي مُضاعَفةُ الصلاةِ إلى مائةِ ألفٍ تحصُل فيه، ثم أيضًا عندَ كثيرٍ مِن الفقهاءِ هذه المضاعفةُ تحصُل في كلِّ الحرَم، الحرمُ مِساحَتُه واسِعةٌ في جميعِ جوانبِ مكةَ، الأرض التي تحيطُ بمكةَ، تكتَنِفُ مكةَ هيَ حرَمٌ ،وهيَ المسَاحةُ التي نَصَبَ علَيها إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام الأعلامَ حتى يُعرفَ أنّ هذه المِساحَة لها حُكمٌ خاصٌ، لا يجوزُ صَيدُها، الصّيدُ البرّيُّ المأكولُ لا يجوزُ صَيدُه، كذلكَ قَطعُ شَجرِه النّابِتِ فيها ليسَ المُستَنبَتَ المجلُوبَ مِن خَارج ثم استُنبِت فيه، كذلكَ قَطْعُهُ حَرام لهذا سُمِّيَ المسجِد الحرام، لهذا أُطلِقَ على الحرَم اسمُ الحرَم،لهذا سُّمِيَ حرَمًا، ثم أيضًا مِنْ جُملةِ أحكامِ الحرَم وخَصائصِه أنّ القِتال لا يجوزُ فيه إلا أنْ يُقاتِلَ المشركونَ المسلمينَ هناكَ عِندئذٍ مِن بابِ الدِّفاع يجوز، أمّا أنْ يُبدَأ بالقِتال فلا يجُوز، الله تبارك وتعالى أحَلَّ لرسولِ الله عامَ الفَتح قَتْلَ المشركينَ فيهِ سَاعةً مِنْ نهار ثم انتهَى ذلكَ الحُكْم، تلكَ الرُّخصَةُ انتهَت بعدَ تلكَ السّاعة، الآنَ لا يجُوز، الرّسولُ قَتَلَ في الحرَم سِتّةَ أشخاصٍ لما فتَح مكةَ فدخَلَها، قتَل ضِمنَ مكّةَ ستّةَ أشخاصٍ مِنَ الكُفّار الذينَ كانوا يؤذُونَ المؤمنينَ أذًى شَديدًا وهَذا الذي عناهُ الله تبارك وتعالى بقوله “فإنْ قاتَلُوكُم فيه فاقتُلوهُم”.
إبراهيمُ عليه السلام كانَ زَمانُه قَبلَ الرّسولِ بآلافِ السِّنين.وكل الأنبياء كانوا على الإسلام قال الله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام.وقال تعالى:ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.