اللهم أهدني لأحسن الأقوال والأفعال لايهدي لأحسنها الا أنت
وأصرف عني سيئها لايصرف عني سيئها الا أنت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد
بيان :
أي العلوم أولى تحصيلاً
وأنه معرفة الله ورسوله
قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [سورة محمد/19]، هذه الجملة من القرءان فيها إشارة إلى علمين: علم التوحيد بقوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ﴾ [سورة محمد/19] وعلم الفروع بقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [سورة محمد/19]، وقد قدّم الله تعالى ما فيه إشارة إلى علم التوحيد على ما فيه إشارة إلى علم الفروع؛ فعلمنا من ذلك أنه أولى من علم الفروع وهو أفضل العلوم وأعلاها وأشرفها وأولاها، وقد خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه بالترقّي في هذا العلم فقال: “فوالله إني لأعلمكم بالله وأشدّكم له خشية” رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيُّ العمل أفضل فقال: “إيمان بالله ورسوله”، لأن الأعمال الصالحة لا تقبل بدون الإيمان بالله ورسوله.
وروى مسلم عن عائشة أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جُدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: “لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين”، فاعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل عبد الله بن جدعان من التصدق على المحتاجين وصلة الرحم وغير ذلك غير نافع له لأنه لم يكن يؤمن بالله. وكان عبد الله مفسدًا في مكة فطرده أبوه، قال له لست ابني، فكره الحياة فذهب إلى جبل فوجد شقًّا فقال لعلّ في هذا ثعبانًا يقتلني، فوجد ثعبانًا عيناه تلمعان فظنه ثعبانًا حقيقيًّا فاقترب فوجده ثعبانًا من ذهب إلا عيناه من لؤلؤ، فطمع في الحياة.
وقال الغزالي: “لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود”، أي أن من لم يعرف الله تعالى بل يشبّهه بخلقه بالضوء أو غيره، أو اعتقد أنه ساكن في السماء أو أنه جالس على العرش أو وصفه بصفة من صفات البشر، فهذا عبادته تكون لشىء توهمه في مخيلته فيكون مشركًا بالله، فلا تصح عبادته.
وروى ابنُ ماجه عن جندب بن عبد الله قال: “كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان، ثم تعلمنا القرءان فازددنا به إيمانًا”.
وقال الشافعي رضي الله عنه: “أحكمنا ذاك قبل هذا”، أي أتقنّا علم التوحيد قبل فروع الفقه.
وقال أبو حنيفة في الفقه الأبسط: “اعلم أن الفقه في الدين أفضل من الفقه في الأحكام”.
وقال أيضًا: “أصل التوحيد وما يصحّ الاعتقاد عليه وما يتعلق بالاعتقاديات هو الفقه الأكبر”.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري: “أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه”.
ومما يجب معرفته على كل مكلّف ثلاث عشرة صفة لله تعالى وهي: الوجود، والقِدم، والوَحدانية، والبقاء، والقيام بالنفس، والمخالفة للحوادث، والقدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام. ذكر ذلك عبد المجيد الشرنوبي، والفضالي وقبلهما صاحب السنوسية وأبو بكر الدمياطي المشهور بالسيد البكري في كتابه “إعانة الطالبين”، والبيجوري صاحب “شرح جوهرة التوحيد”، وأحمد المرزوقي صاحب “عقيدة العوام”، وغيرهم كثير.
ثم إنه لأهمية هذا العلم ألّف العالم المتكلم الفقيه محمد بن هبة الله المكي رسالة سمّاها “حدائق الفصول في علم الكلام” والتي اشتهرت فيما بعد باسم “قصيدة أو عقيدة ابن مكي”، وقد أهداها للسلطان يوسف صلاح الدين رحمه الله فأقبل عليها وأمر بتعليمها حتى للصبيان في المدارس، فقرر تدريس هذه القصيدة في المدارس فسميت لذلك بالعقيدة الصلاحية، وقد كان صلاح الدين عالمًا فقيهًا شافعيًّا له إلمام بعلم الحديث يحضر مجالس المحدثين وله رواية عنهم، حفظ التنبيه في الفقه الشافعي.
وفي الفتاوى البزازية ما نصه: “تعليم صفة الخالق مولانا جل جلاله للناس وبيان خصائص مذهب أهل السنة والجماعة من أهم الأمور، وعلى الذين تصدوا للوعظ أن يلقنوا الناس في مجالسهم على منابرهم ذلك قال الله تعالى ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الذاريات/55] وعلى الذين يؤمون في المساجد أن يعلموا جماعتهم شرائط الصلاة وشرائع الإسلام وخصائص مذاهب الحق، وإذا علموا في جماعتهم مبتدعًا أرشدوه وإن كان داعيًا إلى بدعته منعوه، وإن لم يقدروا رفعوا الأمر إلى الحكام حتى يجلوه عن البلدة إن لم يمتنع. وعلى العالم إذا علم من قاض أو من ءاخر يدعو الناس إلى خلاف السنة أو ظن منه ذلك أن يعلم الناس بأنه لا يجوز اتباعه ولا الأخذ عنه، فعسى يخلط في أثناء الحق باطلاً يعتقده العوام حقًّا ويعسر إزالته” اهـ.
ثم قال: “ومن اعتقد الحلال حرامًا أو على العكس يكفر” اهـ.
ثم قال: “قال الإمام الزاهد الصفار: لا يستثني مؤمن في إيمانه فإن ابن عمر رضي الله عنهما أخرج شاة ليذبح فمر به رجل فقال: أمؤمن أنت؟ فقال: نعم إن شاء الله تعالى، فقال: لا يذبح نسكي من يشك في إيمانه، ومر به ءاخر وقال: أنا مؤمن، فأمره بالذبح فلم ير من يستثني في إيمانه أهلاً للذبح، وقال الزاهد: يجب إكفار القدرية – أي المعتزلة – في نفيهم كون الشر بخلق الله تعالى وفي دعواهم أن كل فاعل خالق فعل نفسه، ويجب إكفار الكَيْسانية في إجازتهم البَداء على الله تعالى” اهـ. ثم قال: “وأحكام هؤلاء أحكام المرتدين” اهـ، ثم قال: “ويجب إكفار الخوارج في إكفارهم جميع الأمة سواهم”.ا.هـ.
وقال العلامة البياضي الحنفي ما نصه: “الثانية: وجوب بيان مذهب أهل السنة ليعرف أهلها ويحب من اتصف به من المسترشدين، ورد مذاهب المخالفين ليجتنب عنها كل أحد ويبغض الزائغين، فقد قال مشايخنا رحمهم الله تعالى: تعليم صفة الإيمان للناس وبيان خصائل أهل السنة والجماعة من أهم الأمور، وألّف السلف فيها تآليف كثيرة كما في سير الذخيرة والتتارخانية، وأشار إليه بقوله: إذا مال إلى الحق وعرف أهله كان لهم وليًّا”.ا.هـ.