اَلْحَمْدُ ِللهِ وَحْدَهُ
وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ
عَلَى مَنْ لاَ نَبيَّ بَعْدَهُ
أمير البدن
القلب
إنّ الله تعالى جعلَ للإنسان أعضاء تسمى بالجوارح،
وسلطان هذه الأعضاء وأميرها القلب الذي صلاحُه صلاحُ الجسد
وفساده فساد الجسد، هذا القلب الذي هو محلُ المعتقد
وهو الذي يتصفُ صاحبه بالطيبة أو الخبث
والقلوب أوعيةٌ وهي تختلف بين الطّيبةِ والقساوةِ والرقةِ واللينِ والغلظةِ،
ولذا جاءت النصوص على الإهتمام بالقلب وتنقيَتًهُ من الحسد والغل والحقد،
بل هو علامةُ حسنِ حال الإنسان يوم القيامة
حيث من يأتي بالقلب السليم من الكفر والشرك فهو الناجي في ذلك اليوم
فقلبكَ الذي بين جنبيك هو الذي يناطُ بصلاحه صلاح الجسد كله،
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”ألا وإنَّ في الجسدِ مضغة إذا صَلحت صَلُحَ الجسدُ كله،وإذا فسدت فسدَ الجسدُ كُله، ألا وهي القلب”.
والقلب وعاءُ التقوى الذي أشار إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وهو يقول:”التقوى َهَهُنا”
فدلَّ ذلك مجتمعاً على أن الجوارح ترجمانُ القلب
فإن استقام استقامت وإن زاغَ زاغت
وإنما سُمي القلب باسمه هذا لكثرةِ تقلب الأمور فهو أشدُ تقلباً
من الماءِ إذا استَجمْعَت غلاياناً، وقد قيل فيه:
وما سُمّيَ الإنسانُ إلا لنسيهِ == ولا القلــبُ إلا أنّـه يَتقـلّـبُ
وقد ذكر َالله في القرآن الكريم القلب في مواضع على معانى مختلفة منها قوله تعالى:”يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ*إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”.(الشعراء/88-89).
اي سالم من الكفر والفواحش إذ أنّ الإنسانَ بقلبهِ قد يحمل إيماناً ويقينا بالله تعالى وصفاته وباليوم والآخر والثواب والعقاب والرسل والملائكة
وقد يحمل البعضُ في قلبهِ شكٌ في الله تعالى أوبالنبينَ والقيامة والثواب والعقاب
بل من الناس من لايعتقد بقلبه بصحة القراءن الكريم، ومنهم عندهم الشكُ في قلوبهم فهؤلاء عندهم كفرٌ اعتقادي محلهُ القلب ولو لم تنطق به الشفاهُ، ومثلهم من أعتقدَ في الله تعالى ما لايليق به كاعتقادِ المكانِ والمثيل والشبيه والشريك تعالى الله عن ذلك كُله، أو كالإعتقاد في القلب بنفي صفات الله تعالى كالعلم والقدرة والحياة وما هو معلوم بين من المسلمين من اصول الإعتقاد، ولذا كانت القلوب محلُ عقد الإيمان أو الكفر والزيغ
قال الله عزّ وجلَّ: ”فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ”(آل عمران/7)،
والزيغ الميلُ عن الحق واتباع الباطل،
ومنه قوله تعالى: ”فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ” (الصف/5)،
وزيغ القلوب ميلها للكفر والضلال والتشبيه فمن نَسبَ لله تعالى صفة من صفات الخلق فقد زاغ قلبه، ومن لم يؤمن بالآخرة فقد زاغَ قلبه ومن العتقد أن لله شكلا أو هيئة أو صورة أو أن له مكانا أو جهة فهو ضالّ ليس بمؤمن
ولذا جاءَ الدعاءُ ”ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا”لأن القلوب بمشيئة الله إن شاءَ أقامها وإن شاءَ أزاغها
وقد جاءَ في القرآن الكريم أنَّ الله تعالى هو أغفلَ قلوب من ضلَ من عبادهِ بمشيئتهِ وخلقهِ
قال الله تعالى:”وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”. (الكهف/28)،
أي أنَّ من َضلَهُ الله عن الهدى وأزاغَ الله قلبه عن الحق لاتطعهُ والعياذ بالله تعالى من زيغِ القلوب
وجاء أيضاً أن قلوبَ من كفر قاسية غافلةً عن الحق وقبوله فقد ذكر الله تعالى حال من كفر به وضلَ عن الحق بقوله:”ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذٰلِكَ”(البقرة/74)
والقسوةُ الصلابة والشدة واليَبَسُ هي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى وذلك لأن قلوبهم مريضة بداءِ الصدِ والزيغِ عن الحق قال الله تعالى: ”فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا” (البقرة/10)،
وبمرض القلوب وشدة طغيانها يختم عليها فلا تقبل النصح ولا ترى إلا الإفساد والغيّ ومنه قول الله تعالى: ”وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ”(الجاثية/23)، أي: فلا يسمع ما ينفعه، ولا يعي شيئًا يهتدي به، ولا يرى حجة يستضيء بها، فانطمست فيه تلك المنافذ التي يدخل منها النور وتلك المدارك التي يتسرب منها الهدى، وتعطلت فيه أدوات الإدراك بطاعة الهوى وقسوة القلب.
يقول الله سبحانه وتعالى: ”وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ” (الأعراف/100)،
صاروا بسبب فسادهم وذنوبهم والطبع على قلوبهم لا يسمعون ما يتلوه عليهم الناس من الوعظ والإنذار وتلك هي القلوب السوداءُ العمياء، قال الله تعالى: ”وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ” (الحج/46).
وأما القلوبُ المنورة بنور الإيمان فهي رقيقة لاتحمل الفساد بل بها المعتقد الصحيحُ بالله الذي لاشكَ فيه وفيها اليقين الصادق وحبُ الله وكلامه وحب أنبيائه ”وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ” (التغابن/11).
وتتفاوتُ بالصفاء بين قلب صاف منور ما فيه غبش بل فيه كثرة فعل الخيرات و الإستغفار والتوبة إلى الله حينا بعد حين،
وللقلبِ واجباتٌ ينبغي معرفتها وأعلى هذه الواجبات القلبية
الإيمانُ بالله وبما جاء عن الله والإيمان برسول الله وبما جاء عن رسول الله
ومن أعمال القلوب الواجبة ايضاً
الإخلاصُ لله تعالى بالعمل وهو أنَّ يقصدَ مرضاة الله تعالى في اعمال البر
وكذا الندمُ على المعاصى والتوكلُ على الله والمراقبةُ لله
وهي دوامُ الخوف من الله تعالى
ومن أعمال القلب الرضا عن الله وهو ترك الإعتراض على الله تعالى وتعظيم شعائر الله تعالى
والشكرُ على نعم الله تعالى وعدم استعمالها في معصية
والصبرُ على اداء ما أوجب الله تعالى والصبر عما حرم الله تعالى وعلى ما ابتلاك الله به
وبغض الشيطان والمعاصي
ومحبة الله وكلامه ورسوله والصحابة والآل والصالحين
كلُ هذا من اعمالِ القلوب الواجبة ويصدرُ من القلبِ أيضاً معاصي لابدُ من تجنبُها حتى يكونَ القلب صافياً نقي من الذنوب ومنها:
الرياءُ باعمالِ البر وهو العملُ لأجل الناس والعجبُ بطاعة الله تعالى
وهو أن يُعجَبَ الإنسان بطاعاتِهِ بحيثُ يري انها منه ومن نفسهِ وينسىَ مِنةَّ الله عليه وأنَّ الله هو الذي قدّرهُ واعانهُ عليها
ومن معاصي القلب الشكُ في الله تعالى أي الشكُ في وجودِه أو قدرتهِ أو وحدانيتهِ أو حكمته وعدلهِ أو في علمهِ سبحانه وتعالى
أو غيرَ ذلك من صفاتهِ فالشكُ في القلب يَضرُ بالعقيدةِ ما لم يكنْ مجردَ خاطرٍ
قال الله تعالى: ”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا”أي لم يشكوا، دلت الآية على أنّ من شك في وجود الله أو قدرته أو نحو ذلك ليسَ بمؤمن وأن الإيمان لايحصلُ إلا بالجزم وأنّ الترددُ ينافيه وهذا معدودٌ من الكفر الاعتقادي الذي يحصل من القلب
ومن معاصي القلب الأمنُ من مكرِ الله وهو أنّ يسترسِلَ بالمعاصي مُعتمداً على رحمة الله تعالى
وكذا القنوطُ من رحمةِ الله وهو ان يُسىءَ الظنَّ بالله فيعتقدُ أنّ الله لايغفرُ له البَتَّةَ وأنه لامحالَ يُعذب
ومن معاصي القلب التكبرُ على عباد الله ومنه ردُ الحقِ على قائلهِ
واستحقارُ الناس، والحقد وهو إضمار العداوة للمسلم
والعمل بمقتضى هذا والحقد والحسد والمنُّ بالصدقة
وهذا مُبطلٌ للثواب والإصَرارُ على الذنبِ وسوءُ الظن بالله وبعبادِ الله
والتكذيبُ بالقدر وهو كفرٌ بأن يعتقد العبد أن شيئاً من الأشياء يحصلُ بغير تقدير الله، ومن معاصي القلب
ايضاً الفرحُ بالمعصية منهُ أو من غيره والغدرُ والمكر والبخل بما أوجب الله كالذي يبَخلُ بدفعِ الزكاة الواجبة
والشُحُ وهو شدةُ البخلِ كمنع النفقة للزوجة وترك الزكاة فهو أشدُ في البخل
والحِرْصُ والإستهانةُ بما عَظَمَ اللهُ والتصغبرُ لما عظم الله من طاعةٍ أومعصيةٍ أو قراءنٍ او علمٍ أو جنة ونار وكالذي يستخفُ بالقران او الصلاة أو نحو ذلك
ومنها ايضاً بغضُ الصحابة والآل والصالحين
فإذا علمتَ هذه المعاصى فاحرص على البُعد عنها ونقي قلبكَ منها تكن منورَ القلب، طيبَ النفس صاحب قلبٍ ابيض صافي،
يقول الله سبحانه وتعالى:”ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ”.(الرعد/28).
وتلكَ القلوب المقُبلةُ على الطاعة والذكر والخشيةِ لله تعالى وهي القلوبُ المنُيبة
يقول الله سبحانه وتعالى: ”مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ”(ق/33)،
وهي القلوب التى تتأثرُ بذكر الله وبسماع الآياتِ والعمل بها هي القلوب اُلمقشعرِةُ اللينةُ،
يقول الله سبحانه وتعالى: ”ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰبًا مُّتَشَـٰبِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ”.(الزمر/23)،
أيها المسلم!!!
عليكُ بالصفاء لقلبكَ والوقوف عليه والتفتيشُ به
وتنقيتهُ من الغل والحسدِ وأمراضِ القلب
واستعنْ بالله تعالى وتضرع إليه واكثر من ذكرهِ
وادعو الله المزيدَ والثبات على ذلك،
وأكثر من التمسكِ بكتاب الله وسنةِ رسوله في النيةِ والقولِ والفعل
واجلس في مجالس علم الدين وصاحبِ الصالحين
وردد دائماً قولَ الرسول صلى الله عليه وسلم: ”يا مقلبَ القلوب، ثبتْ قلبي على دينكَ وطاعتكَ”.