قال شيخنا عبدالله الهرري رحمه الله
كذلكَ الدّعاءُ مِنْ قَدَرِ الله، الإنسانُ إذا دعَا اللهَ بما ينفَعُه في دِيْنِه أو دُنياهُ فلْيَنْوِ أنّ الله تبارك وتعالى يُحِبُّ أن يَدعُوَهُ عَبدُه، فيَقولُ في نفسِه أنا أَدعُو لأنّ الله أمرَنا بالدّعاء، أمرَ عبادَه بالدّعاءِ فأنَا لذلكَ أَدعُو، هكذَا يقولُ في نفسِه ثم يَدعُو ثم لا يعتَقدُ أنّ هذا الدّعاءَ يَرُدُّ شَيئًا عَلِمَ اللهُ في الأزلِ وشاءَ أن يُصيبَه.
الدُّعاءُ لا يَردُّ ما عَلِمَ الله تعالى أنّهُ يُصيبُ العبدَ، إنما الدّعاءُ يَنفَعُ على حَسَب مَشيئة الله الأزليةِ أي إنْ كانَ الله تعالى شاءَ في الأزل أي قَبْلَ أنْ يَخلُقَ العَالم أنّ فلانًا يَدعُو فيُعطَى كذا أو يُصرفُ عنهُ مِنَ البَلاءِ كذَا فإنّهُ يَنالُ ذلكَ الشّىءَ بدُعائِه، أو يُصرَفُ عنه البَلاءُ الذي كانَ يحذَرُه ويتَخوَّفُه بهذا الدُّعاء.
ثم الأشياءُ التي يَنفعُ فيها الدّعاءُ هي ما سِوى السّعادَةِ والشّقاوةِ لأنّ السّعادةَ والشّقَاوةَ الأُخروِّيان هذا شىءٌ لا يَدخُلُه التّعليقُ فمَنْ عَلِمَ الله تعالى أنّهُ سَعيدٌ فهو لا بدَّ أن يكونَ سعِيدًا أي لا بُدَّ أن يموتَ على الإيمانِ فيَدخل الجنّة، ومَن علِمَ اللهُ أنّهُ يكونُ شَقِيًّا فلا بُدَّ أن يموتَ على غَيرِ الإيمان فيكونُ مِن أَهلِ النار، السّعَادةُ والشّقاوةُ الأُخرَويّات لا يتَبدّلان أمّا السّعادَةُ الدّنيوية تتبَدّل، السّعادةُ الدّنيويةُ هيَ كالبَيت الواسِع والمركَبِ الهنيىء والزّوجةِ الصّالحة والجارِ الصّالح، هؤلاءِ الأربَع مِنَ السّعادةِ الدّنيويةِ، هذا شىءٌ يَقبَلُ التّبدّلَ والمرءُ قَد يَنتَقلُ مِن بَيْتٍ كانَ ضيّقًا إلى بَيتٍ واسِع بتَقديرِ الله ومشيئتهِ الأزلية، هذا يَقبَل التّبَدّلَ والتّغيّرَ على حسَب مشيئةِ الله، كذلكَ مَن كانَ عندَه مَركُوبٌ لا يُوافقُه قَد يحصلُ بعدَ هذا المركُوب الذي لا يوافِقُه على مركُوبٍ يُوافقُه فيتهَنأ بهِ على حسَبِ مشيئةِ الله الأزلية، كذلكَ الإنسان الذي لهُ زَوجةٌ لا تُوافِقُه قَد يَنتَهي منها ويَرزُقه اللهُ زَوجةً تُوافِقُه يتَهنّأ بعِيشَتِه مَعها، كذلك الذي لهُ جَارٌ لا يُوافقُه بل يؤذيْه ويُعكّرُ عليهِ صَفاءَه قد يُريحه اللهُ مِن هذا الجار ويُبدّل لهُ بهِ جَارًا صالحًا، هذه الأشياءُ الأربعةُ الرّسولُ قال:”أَربعٌ مِن السّعادة” يعني سعادةَ الحياة الدّنيا لا يعني السّعادةَ الأُخرويّة، “الدّارُ الواسِعةُ والمركبُ الهنىءُ والزّوجَةُ الصّالحةُ والجارُ الصَّالح”رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما، أمّا السّعادةُ الأخرويّةُ فهيَ أن يموتَ الإنسانُ على الإيمانِ والشّقَاوةِ الأُخرويةِ، هيَ أن يموتَ الإنسانُ على الكفرِ، هذا الذي يقولُ عنه بعضُ العلماءِ الشّافعية في كتابه المسمّى الزُّبَد
إنّ الشّقيَّ لَشَقِيُّ الأزَلِ وعَكسُهُ السَّعيدُ لم يُبَدَّلِ
ففِي انتِصافِ هَذا الشّهرِ كثيرٌ منَ الناس يجتَمِعونَ في المساجِد ويَدْعُونَ بدُعاءٍ فيهِ لفظٌ لم يَرِد عن رسولِ الله ولا ثبَتَ عن أحَدٍ مِنْ أصحَابِ رسولِ الله ولا عن أحَدٍ مِنَ التّابعِين فيه طلَبُ العَبدِ مِنَ الله أن يُغيّرَ ويُبدلَ الله لهُ الشّقاوةَ بالسّعادةِ أي الشّقاوةَ الأخرويةَ بالسّعادةِ الأُخروية، هذا أمرٌ غيرُ مقبُولٍ شَرعًا، ثم يعتقدُ كثيرٌ مِنَ الناس أنّ هذه الليلةَ ليلة النّصف مِن شَعبان هيَ الليلةُ التي يُفرَقُ فيها كُلُّ أَمرٍ حَكِيم ويُبرَم، أي أنها الليلةُ التي تُقدَّرُ فيها الأرزاقُ لهذه السّنة مِن هذه اللّيلةِ إلى مثلِها، تُقَدّرُ فيها أرزاقُ الإنسانِ مِن هذه اللّيلةِ إلى مِثلِها، وغيرُ ذلكَ مِن الأمُور التي تجري في الأرض، هذا غلَط. اللّيلةُ التي قال الله تبارك وتعالى” فيها يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكيم” هيَ ليلةُ القَدر التي في رمَضان ليسَت هذه الليلة، فكثيرٌ مِنَ الناس يعتقدونَ أنّ ليلةَ النِّصف مِن شَعبان هيَ الليلةُ التي تَأخُذ الملائكةُ فيها التّدابيرَ التي يَقَعُ في الأرض عِلْمَها لِيتَصرّفوا على حسبِ ما يتَلقّونَه في الأرضِ مما يتعَلّقِ بالرِّزق ومما يتعَلّق بأشياءَ أُخرَى، هكذا يظُنّون وهذا غلَط، الأشياءُ التي يعتقدُها كثيرٌ مِن الناس بطريقِ التّوهُّم بدونِ دليلٍ كثِيرة، الله تعالى يُوفّقُنا لما اختُلِفَ فيهِ مِنَ الصّوابِ ويَهدينا لما اختُلِفَ فيهِ مِنَ الحقِّ بإذنِه تبارك وتعالى، ثم إنّ الإنسانَ المؤمنَ الذي يَرضَى بقَضاءِ الله ولا يتَسخّطُ مِن قضَاءِ الله تبارك وتعالى إنْ أصابَتْهُ النِّعَم فهو بخَيرٍ لأنّهُ يحمَدُ ربَّه ويَشكرُه على هذه النِّعمَة وإنْ أصابتْهُ ضَرّاءُ أي بلِيّةٌ ومُصِيبَةٌ يَصبِرُ ولا يتَسخَّطُ على ربّهِ فيَكونُ له أَجرٌ بهذه المصيبةِ، هذا شأنُ المؤمنِ الكامِل الذي قالَ فيه الرّسولُ صلّى الله عليه وسلّم:” عَجَبًا لأمرِ المؤمِنِ إنَّ أمرَهُ كلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمؤمِن إنْ أصَابَتْهُ سَرّاءُ شَكرَ فكانَت خَيرًا لهُ وإنْ أصابَتهُ ضَرّاءُ صبَرَ فكانَت خَيرًا لهُ” رواه البخاري ومسلم وغيرهما.المؤمنُ الكامل في الحالَين على خَيرٍ، هوَ عندَ الله إنْ أصابتْه نِعمةٌ، بَسطٌ ورَخاءٌ في الرِّزق وغير ذلكَ يَشكُر الله، ومعنى الشُّكر هو أن يَصرفَ الإنسانُ النِّعَم التي أعطاهُ الله فيما يُحبُّ الله ليس فيما حرّمَ الله هذا هوَ الشُّكر، ليسَ الشُّكرُ أن يَفرَح الإنسانُ بالنِّعَم التي يَنالها ويقولُ إذا فرِحَ الحمدُ لله الشُّكرُ لله، لا يكونُ العبدُ بهذا شَاكرًا لله، إنما الشُّكر هو أن يَستَعمل نِعمَ الله تعالى في المحلِّ الذي أذِنَ اللهُ فيه، المالُ لا يَصرفُه إلا فيما أذِنَ اللهُ فيه أي إلا فيما يجوز، في نَفقةِ نفسِه يصرِف، في نفقةِ أهلِه يَصرف في صِلة الرّحِم يَصرفَ، وفي الصّدقةِ على الفقراء المحتاجينَ يَصرف وفي غيرِ ذلكَ مِن أعمالِ البِرّ يصرفُ ولا يَصرفُ فيما حَرَّم الله.
|