فاطمة الزهراء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إذا كانَ يَومُ القِيامةِ نَادَى مُنادٍ مِنْ وَراءِ الحُجُبِ يا أَهْلَ الجَمْعِ غُضُّوا أَبْصَارَكُم عن فَاطِمةَ بِنتِ محمّدٍ حتى تمُرَّ “رواه الحاكم .
قال شيخنا رحمه الله: المرادُ غيرُ محَارِمِها أمّا محَارِمُها فيَنظُرونَ،
الرِّجالُ فَقط يَغُضُّونَ أمّا النّساءُ يَنْظُرنَ.
وذلكَ لإظهارِ شَرفِها رضيَ اللهُ عَنها،فهيَ أفضَلُ امرَأةٍ مِن هذِه الأُمّةِ وهيَ صِدّيقَةٌ.اه
(قال المُناويّ قولُه نادَى مُنادٍ أي مَلَكٌ مِنَ الملائكةِ،قولُه مِن وَراءِ الحُجُبِ أي مِن غَيرِ أنْ يَراهُ النّاسُ،قولُه يا أهلَ الجَمْعِ أي يا أَهلَ الموقِف،قوله غُضُّوا أبصَارَكُم أي نَكِّسُوهَا،قوله حتى تَمُرّ أي تَذهَب وتَجُوزَ إلى الجنّة.)
وعن قَبِيصَةَ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ:“يا قَبِيصَةُ إذَا صَلّيْتَ الصُّبحَ فَقُلْ ثَلاثًا سُبحَانَ اللهِ العَظِيم وبحمْدِه تُعافَى منَ العَمَى والجُذامِ والفَالج“رواه أحمد.
من أسرار الاستغفار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“مَنْ لَزِمَ الاستِغفَارَ رَزَقَهُ اللهُ مِنْ حَيثُ لا يحتَسِبُ وفَرَّجَ كَرْبَهُ“رواه الطبرانيّ
قال شيخنا رحمه الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:مَن أُعْطِيَ فَشَكَرَ وابتُلِيَ فَصَبَرَ وظُلِمَ فغَفَرَ وظَلَمَ فاسْتَغفَرَ أولئكَ لهمُ الأَمنُ وهُم مُهتَدُونَ”رواه ابن حبانَ.
فالصّبرُ هو مَدَارُ النّجاحِ والفَلاحِ في الآخِرةِ،إذا اجتَمعت أنواعُ الصّبرِ الثّلاثةُ فَهِيَ أقْصَى المَراتِب،الصّبرُ على الطّاعةِ والصّبرُ عن المعصِيةِ والصّبرُ على الشّدائدِ والمصَائبِ .
وقَد رَوى البيهقيُّ حَدِيثا معنَاهُ أنّ النّاسَ يومَ القِيامةِ يَرونَ ما ينَالُه مَن ابتُلِيَ مِنَ المسلمينَ في الدُّنيا فصَبرَ منَ الأجرِ العَظِيم فيتمَنَّونَ أنْ لوْ كانُوا ابتُلُوا مِثلَهُم لِينَالُوا مثلَ أجْرِهم.
الصبر على البلاء
مَنْ مَرِضَ استُحِبّ لَهُ أنْ يَصْبِرَ عَليه لما رُوِيَ من حديث أبي هريرة أنّ امْرأةً قَالت يارسولَ الله ادعُ اللهَ أنْ يَشفِيَني فقال: إنْ شِئتِ دَعَوتُ اللهَ فَشَفَاكِ وإنْ شِئتِ فاصْبِري ولا حِسَابَ عَليكِ” فقالتْ أَصْبِرُ ولا حِسَابَ عَليَّ” أخرجَه أحمد وابنُ حِبّان والبَزّار بألفاظ متقاربة.
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنّ مِنَ الصّالحِينَ مَنْ فَرَحُهُم بالبلاءِ أشَدُّ مِنْ فَرحِ النّاسِ بالعَطاءِ“
معناهُ مِن شِدّةِ ما تمَكّن في نفُوسِهم الرّضا عن الله أي أنّهم يُسَلّمُونَ للهِ تَسلِيْمًا ولا يَعتَرِضُونَ عليه ، يَفرَحُونَ بالبَلاءِ أكثَرَ مِن فَرَحِ النّاسِ بالعَطاءِ لأنّ هؤلاءِ مِنَ الذينَ قالَ اللهُ فِيهِم: رَضيَ الله عنهُم ورَضُوا عنه} معناه يُسَلّمُونَ للهِ تَسلِيما كامِلا ، مَهما أصابهُم منَ المصَائِب فإنهّم لا يخرَجونَ عن الرّضا عنِ الله ، الرِّضا عن الله مَرتَبةٌ عَاليةٌ لا يصِلُ إليها إلا القليلُ مِنْ عِبادِه. البلاءُ يكونُ في الخير والشّرِ ، والله تعالى يَبْلِي العبدَ بلاءً حَسنا ويَبْليْه بلاءً سَيّئًا ،والجمْعُ البَلايا.
اللهم اجعلنا من عبادك المرضيين يا أرحم الراحمين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: السَّفَرُ قِطعَةٌ مِنَ العذَابِ يمنَعُ أحَدَكُم طَعامَه وشَرابَه ونَومَهُ فإذا قَضَى نَهْمَتَه فليُعَجِّلْ إلى أهلهِ“رواه مالك والطبراني والدار قطني وأحمد في مسنده والحاكم
قالَ ابنُ حَجر في فتح البارئ :السَّفرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ“أيْ جُزْءٌ مِنهُ،والمرادُ بالعَذابِ الألمُ النّاشِئ عن المشَقّةِ لِمَا يَحصُلُ في الرُّكُوبِ والمشْيِ مِنْ تَركِ المألوفِ: يَمنَعُ أحَدَكُم نَومَهُ وطَعامَهُ وشَرابَه” على وجْهِ التّشبيهِ لاشتمَالِه على المشَقّةِ، وقَد ورَدَ التّعليلُ في روايةِ سعيدٍ المقبُرِيّ .ولفظُه: السّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العذَابِ لأنّ الرّجُلَ يَشتَغِلُ فِيه عن صَلاتِهِ وصِيامِه” فذَكَر الحديثَ، والمرادُ بالمنعِ في الأشياءِ المذكُورَةِ مَنْعُ كمَالها لا أصلِها، وقد وقع عندَ الطّبراني بلفظِ:لا يَهْنأ أحدُكُم بنَومِه ولا شرَابِه” وفي حديث ابن عمر عند أبي عَدِيّ : وإنّهُ ليسَ لهُ دَواءٌ إلا سُرعَة السّيرِ“
قولُه: نَهْمَتَه” بفتح النون وسكُونِ الهاءِ أي حاجَتَه مِن وجْهِه أي مَقصِدَه ، وبَيانُه في حديثِ أبي عَدِيّ بلَفظِ : إذا قَضَى أحَدكُم وَطْرَه مِنْ سَفَرِه ” وفي روايةِ ورّادِ بنِالجرّاحِ : فإذا فرَغَ أحَدُكم مِنْ حَاجَتِه“
قوله :فلْيُعجِّلْ إلى أهلِه ” وفي روايةِ عَتيق وسعيد المقْبرِيّ: فليُعجّل الرّجُوعَ إلى أهْلِه“وفي روايةِ أبي مُصْعَب :فَلْيُعَجّلِ الكَرّةَ إلى أهْلِه ” وفي حديثِ عائشةَ :فَليُعَجّلِ الرِّحْلَة إلى أهْلِه فإنّه أعظَمُ لأجْرِه “
وفي الحديثِ كَراهَةُ التّغرّبِ عن الأهلِ لغَيرِ حَاجةٍ ، واستحبابُ الرّجُوعِ ولاسِيّما مَن يَخشى عليهِمُ الضّيعةَ بالغَيبة ، ولما في الإقامة في الأهلِ مِنَ الرّاحَةِ المُعِينةِ على صَلاحِ الدِّين والدُّنيا ولما في الإقامةِ مِن تحصِيلِ الجمَاعاتِ والقُوّةِ على العبادَةِ. قال ابنُ بَطّال ولا تعَارُضَ بين هذا الحديثِ وحديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: سَافِرُوا تَصِحُّوا ” فإنّه لا يَلزَمُ مِنَ الصّحّةِ بالسّفَرِ لما فيهِ مِنَ الرّياضَةِ أنْ لا يَكونَ قِطعةً مِنَ العَذابِ لما فيه منَ المشَقّةِ، فصَارَ كالدّواءِ المرّ المُعْقِبِ للصّحّةِ وإنْ كانَ في تنَاوُلِه الكراهَةَ.
قالَ ابنُ بَطّالٍ قيلَ وليسَ كَونُ السّفر قِطعةً منَ العَذابِ بمانعٍ أن يكونَ فيه منفعةً ومَصَحّةً لكَثيرٍ مِنَ النّاسِ لأنّ الحرَكةَ والرّياضةَ مَنفَعة ولاسيّما لأهلِ الدّعَةِ والرّفاهِيةِ ، كالدّواءِ المرّ المعقِب للصّحة وإن كانَ في تناولهِ كرَاهِية.
سئلَ إمامُ الحرمين حينَ جَلسَ مَوضِعَ أبيه :لم كانَ السّفَرُ قِطْعَةً مِنَ العَذابِ فأجَابَ على الفَورِ لأنّ فيه فِراقَ الأحبابِ .
قالَ المُناويّ الحديثُ : سافرُوا تَصِحّوا وتَغنَمُوا” قال البيهقيُّ دلَّ بهِ على مَا فيهِ سَببُ الغِنى ومما عُزِيَ للشافعيّ:
تَغَرّبْ عن الأوْطَانِ في طَلبِ العُلا
وسَافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائِدِ
تَفَرُّجُ همٍّ واكتِسَابُ معِيشَةٍ
وعِلْمٌ وءادَابٌ وصُحبَةُ مَاجدِ
قوله : وتَغنَمُوا” أي يوسَّعُ عَليكُم في رِزقِكُم بأن يُبارَكَ لَكُم فيه .