أُوصِيكُم بأصْحَابي ثم الذينَ يَلُونهم ثم الذينَ يَلُونَهم ثم يَفشُو الكذِبُ ويَظهَرُ فِيهِمُ السِّمَن

Arabic Text By Aug 05, 2013

أُوصِيكُم بأصْحَابي ثم الذينَ يَلُونهم ثم الذينَ يَلُونَهم ثم يَفشُو الكذِبُ ويَظهَرُ فِيهِمُ السِّمَن


قال شيخنا رحمه الله

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرفِ المرسلين سيِّدِنا محمّدٍ وعلى آلِه وأخوانِه الأنبياء والمرسلينَ وسَلامُ الله عليهِم أجمعين، رُوّينا في مُسنَد الإمام أحمدَ وفي جامِع التّرمذي مِن طريقِ سلَيمانَ بنِ يَسَار قال قام فِينا عمرُ بنُ الخطّاب في الجَابِية فقالَ قامَ فِيْنا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال “أُوصِيكُم بأصْحَابي ثم الذينَ يَلُونهم ثم الذينَ يَلُونَهم ثم يَفشُو الكذِبُ ويَظهَرُ فِيهِمُ السِّمَن يَشهَدُونَ ولا يُستَشْهَدُون ويَنذُرونَ ولا يَفُونَ فمَن أرادَ بُحبُوحَةَ الجنّةِ فلْيَلْزَم الجمَاعةَ ولا يَخْلُوَنّ رجُلٌ بامرأةٍ إلا كانَ الشّيطانُ ثالِثَهُما” فعَمَلا بوصيّةِ رسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم علَينا بالتّمَسّك بما كانَ عليه أصحابُه ثم الذينَ يلُونَهم ثم الذينَ يَلُونهم ، وعَمَلا بوَصيّةِ رسُولِ الله علَينا التّمَسّكُ بهؤلاء الصحَابة والتّابعِين وأتباعِ التّابعِين، هؤلاء هُم أهلُ القُرونِ الثّلاثةِ الأُولى، قَرن الصّحابة أي المائةِ الأولى ثم قَرن التّابعين أي المائةِ الثانية ثم قَرن أتباع التّابعِين وهو المائةُ الثالثةُ، هؤلاء الرسولُ شَهِدَ لهم بالفَضْل لما خُصُّوا بهِ مِن بَينِ أُمّتِه، وذَكَر وبيّن أنّهُ بَعدَ هذِه القُرونِ الثّلاثةِ  “يَفشُو الكَذب” بعدَ هؤلاء أي يَترُكون الاحتياطَ في كلامِهم على خِلاف ما كانَ علَيهِ أولئك أهلُ القُرون الثّلاثةِ الفاضِلَة، وذَكَر أنهم يَهتَمّون للأكل حتى “يَظهَرَ فِيهمُ السِّمَن” أي مِنَ الأكل، السِّمَن منه مَذمُومٌ ومنهُ ما هوَ غَيرُ مَذمُوم، السّمَن الذي يكونُ مِن كَثرةِ الأكل فهو مَذمُومٌ، الله تعالى لا يحِبُّ ذلك وأمّا السّمَن الذي يكون مِنَ المرَض مِن البَلْغَم هذا ليس بمذمُوم لأنه ليسَ مِنَ اكتِسابٍ قَصْدًا لإشباع شَهْوةِ بَطنِه، إنما السّمَن المذمُوم هو السّمَنُ الذي يكونُ مِن كَثْرةِ الشَّرَه بأكلِ الطّعَام هذا لا يحبّه الله، الرّسُولُ ذَمّ هذا، ذَكَر أنّ مِن خِصَال مَن بعدَ هؤلاء القُرونِ الثّلاثةِ أنّه يَكثُر فيهِمُ السّمَن أي يَكثُر المهتَمّونَ الشَّرِهونَ على المآكِل اللّذيذةِ حتى يتَسبّب لهم ذلكَ بالسّمَن وهذا شىءٌ يَكرهُه الله، وذَكَر أيضاً أنّ ممن يأتي بعد أولئكَ القرُون الثلاثةِ يَكثُر فيهم مَن “يَنذُروا ولا يَفُوا” بنُذُورِهم، النّذرُ الذي مدَحَ الله تعالى الوَفاءَ بهِ هوَ النّذرُ الذي يكونُ تقَرُّبًا إلى الله مِنْ غَيرِ تَعليقٍ بشَىء، وكذلكَ النّذرُ الذي يكون مُعَلّقًا بشَىءٍ مِنَ الأمُور الجائزةِ لِيَشكُرَ الله تعالى على هذِه النِّعمةِ التي يُعلّقُ نَذرَه بحصُولها إذا حصَلت، إذا حصَل مقصودُه، يريدُ أن يَشكُرَ الله تعالى على تلكَ النِّعمة التي أوصلَها الله إليه، هذانِ الصِّنفانِ مِنَ النّذر محمُودٌ مَرغُوبٌ في شَرع الله تعالى، هذانِ الصِّنفانِ مِنَ النّذر فيهِ ثَوابٌ، الصِنفُ الأوّلُ هو الذي يقولُ لله عَلَيّ أن أُصَلّيَ كذا منَ الرّكَعاتِ مِنَ النّوافِل، لله عليّ أن أصُومَ كذا مِن صيامِ النّفل، للهِ عَليّ كذا مِنْ صدَقةِ النّفل، هذا أحَدُ النّوعَينِ مِنَ النّذْر الذي هو محبُوبٌ عندَ الله، والثاني هوَ أن يقولَ الرّجُلُ إنْ شَفَا اللهُ مَريضِي فعَلَيّ كذا مِن صَدقةٍ أو صِيام أو صلاةِ تَطوُّع أو نحوِ ذلكَ مِنَ المبرَّات هذا أيضًا يحبُّه الله، وفي هَذينِ الصّنفَين مِنَ النّذر أَجرٌ للنّاذر، أجرٌ لهُ على نَذرِه وأَجْرٌ لهُ على الوَفاء لهذا النّذر، لهُ أجْرانِ، أمّا النّذرُ الذي لا يحبُّه الله فهو النّذرُ الذي يكونُ عندَ الغضَب في حالِ مُشاجَرةٍ مع شَخصٍ، يقولُ الشّخصُ إنْ لم يكن الأمرُ كمَا ذكَرتُ فعلَيَّ نَذرُ كذا وكذا، نُصْرةً لنَفسِه وما أشبَه ذلكَ هذا يُقالُ لهُ نَذرُ اللَّجَاج هذا مكروهٌ ما فيهِ ثَواب ومَع ذلك الشّخصُ يُطَالَبُ بأحَدِ أَمرَين إمّا أنْ يَفِيَ بما نذَر وإمّا أن يُكفِّرَ كفّارةَ يمين، هذا الذي يَنذُر النّذرَ الذي هوَ غَيرُ محبُوبٍ عندَ الله وهوَ نَذْر اللَّجَاج أي نَذر الغَضب، أي إذا غضِبَ الإنسانُ يقولُ كلمةَ النّذر لتَحقيقِ خَبَره أو لمنعِ نَفسِه أو غيرِه مِن شَىء، يقالُ نَذر لجَاج ويُقالُ لهُ نَذرُ غضَب.

س: نَذَر ذَبْحَ الكَبْش ما حُكمه.

ج: هذا مِن جملةِ الصّدَقات، أي إنْ قالَ لله عَليّ أنْ أذبَح خَروفًا، لله عَليّ أن أذبَح بقَرةً هذا نَذْر التّبرُّر يُقالُ لهُ نَذرُ التّبرُّر، أي طلَب البِِرِّ.

والنّاذِرُ ليسَ لهُ أنْ يَأكُلَ مِنْ نَذرِه بالمرّة ولا يُطعِمُ أولادَه الأطفال منهُ ولا يُطعِمُ أبَويْه الفقِيرَين المحتاجَين اللَّذَين تحتَ إنفَاقِه، ليسَ لهُ أن يُطعِمَ إلا الناس الغُرَباء الذينَ ليسَ لهم عليهِ نفَقَة وأقرباءَهُ الذينَ ليسَ لهم عليهِ نفَقة كإخوتهِ البَالغِين.

ثم قالَ الرّسولُ في ذمّ مَن يَأتي بعدَ هؤلاء القُرون الثّلاثةِ ” يَشهَدُونَ ولا يُستَشهَدُونَ” معناه قبلَ أن يُطلَبُوا للشّهادةِ عندَ الحاكِم هُم يتَسرّعُون فيَشهَدُون، لأنّ هذا هوَ الدّليل على اتهامِه لهذا الشّخص وذلكَ لأنّ لهم غَرَضًا في هذِه الشّهادة، فالذي يَشهَدُ لإنسانٍ لهُ حَقٌّ عندَ الحاكِم حتى يَستَوفي بهذه الشّهادةِ حَقّهُ يَنتَظرُ حتى يُطلَب للشّهادَةِ لأنّهُ إنْ تسَرّعَ قد يكونُ غَيَّر الأمرَ، غَيّرَ الحقيقةَ، لأنّ صاحِبَ الحقِّ قَد يكونُ استَوفى حَقّهُ باطِنًا في زمَنٍ مِنَ الأزمنةِ ثم معَ ذلك يَرفَعُ دَعْوى كاذبةً ويكونُ قَد استَوفى حقَّهُ مِنَ الشخص المديون، فهذا الذي يتَسرّع بشهادتِه أي يَشهَدُ قَبلَ أن يُطلَبَ يَكونُ عَونًا لهؤلاء الناس المدَّعِينَ الذين يَدّعُونَ بغَيرِ حَقّ، ثم ذكَرَ الرّسولُ صلّى الله عليه وسلّم النّهيَ عن خَلوةِ رجُلٍ بامرأةٍ أجنبيةٍ أي ليسَتْ محرَمًا لهُ، أي يجوزُ أن يتَزوّجَها، فبيَّن لنا أنّ هذا وسيلَةٌ قَويّةٌ للشّيطانِ في إيقاع الفسَاد والمعاصِي بينَ الرّجُل والمرأة، هذه الخَلوةُ تُساعِدُ الشّيطان على جرّهِما للمعصيةِ، للفَاحِشة، أو لِمَا هوَ دونَ الفَاحِشة، الرّسولُ لا يَنهَى عن شَىءٍ إلا لحِكمَةٍ ولكنْ هذه الحكمة قَد يُدرِكُها الناسُ وقَد لا يُدركونها لكن هيَ في الواقع في نَفس الأمر لها حِكمَة، وقَد حَصل مرّةً حادثةٌ في الحبَشة وهيَ أنّ رجُلاً مِنَ التُّجّار يَخرُج مِن بَيتِه ويَترُك ابنَ أخٍ لهُ فلا يكونُ هناكَ إلا زَوجته وهذا الشّابُّ الذي هو ابنُ أخِيه، يَتركُهما، ثم ذاتَ يوم رآهما، وجَدَهما على حَالةٍ سَيِّئةٍ ففَقَد رُشْدَه فقَطَع أُذُنَ ابنَ أخِيْهِ، فصَارَ على ابنِ أخِيهِ عَارٌ مُستَمرٌ طُولَ حَياتِه، يَرونَهُ الناس فيَقُولونَ هذا قُطِعَت أذُنُه لأجلِ كذا.

هذِه الحادثةُ حصَلَت مِن أثَرِ إهمالِ العمَلِ بشَريعةِ الله، اللهُ تَعالى لحِكْمَةٍ حَرّمَ خَلْوةَ الرّجُل بالمرأةِ الأجنَبِيّة.

نعودُ إلى مَسألة الذَّمِّ بكَثْرة الأكل، معروفٌ عن الأنبياء كلِّهم وعن الأولياء أنهم يحرِصُون على قِلّة الأكل أي بحيثُ لا تَنضَرّ أجسادُهم لأنّ قِلّةَ الأكل المؤدِّيةَ إلى ضَرَر الجِسم حرَام، أمّا القَدرُ الذي لا يؤدِّي إلى ضرَر الجِسم فهو محمُودٌ عندَ الله، هذه سِيرَةُ الأنبياء والصّالحِين في أُممهِم، سيّدنا محمّد كانَ مِن أكبرِ العاملِينَ بهذه الخَصْلةِ الشّريفةِ كانَ يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام:” مَا مَلأَ ابنُ آدمَ وِعَاءً شَرًّا مِن بَطْنِه بحَسْبِ ابنِ آدَمَ لُقَيمَاتٌ، أي لا تتَجَاوَزُ العشَرة، بحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيمَاتٌ، هذا جمعُ قِلّة، جمع القِلّةِ ما دونَ الأحَدَ عَشَر، قال بحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، أي تحفَظُه مِن سقُوطِ قُوّتِه، فإن كانَ ولا بُدّ فثُلُثٌ للطّعام وثلُثٌ للشّرابِ وثلُثٌ للنّفَس”رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم .هذا الرّسول الكريم الذي كانَ يحُضُّ على هذا على تقلِيل الطّعامِ، الأكلِ، وكانَ هوَ مِن أكبرِ العاملِينَ بهذه الخَصْلةِ الشّريفة، وقَد افتَرى بعضُ الناس على رسولِ الله، ممنْ يدّعُونَ الوِلايةَ والتّصَوّف وقَد ادّعَى أنّهُ نَبيّ مُصَغّر، هذا الرّجُل رجَب دِيب افتَرى على رسولِ الله فقالَ كانَ الرّسولُ يُكثِرُ مِن أكلِ الحَلْوَى، يُكثِرُ مِنَ الأكلِ حتى صارَ لهُ عكَفَاتٌ في بَطنِه وفي رقَبَتِه أي طيَّاتٌ، فهذا رجَب دِيب يَفتَرِي على رسولِ الله الذي هوَ أكمَلُ الأنبياء خَلْقًا وخُلُقًا بهذا الافتِراء البَشِع الشّنِيع أنه مِن كَثْرة الأكل صارَت له طَيّات، لأنّ هذا الرّجُل معروفٌ بكثرَةِ الأكل والإكثارِ مِنَ الحلَويّات والدُّسُومات.