سئل شيخنا رحمه الله: هل الله مضطر إلى أن يُشهِد الملائكة على نفسه ” شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ “
فقال شيخنا رحمه الله: الله تعالى لا يحتاجُ إلى شىء لأنهُ كاملٌ ولا يَتغيّر ولا يتَطوّر، خلَق العالَم لا ليَجلِب به نَفعًا لنَفسِه ولا ليَدْفَع به ضَررًا ونَقصًا عن نفسِه بل إظْهارًا لقُدرتِه، وجعَلَ مِنْ خَلْقِه كتَبَةً يَكتبُون ويُحصونَ أعمالَ غَيرِهم مِنَ المخلوقات، الملائكةُ جعَلهُم كتَبةً حافظِين يُحصونَ أعمالَ العباد حتى يُوافَوا بها يومَ القيامة، يَفرَحُ السّعيد التقيّ عندَما يرَى كِتابَه الذي فيه حَسناتُه، يَزدادُ فرَحًا، والشّقيُّ يرَى كتابَه الذي هو ممتلىءٌ بالسّيئات ليسَ فيه حسَنةٌ مِنَ الحسَنات، الكافرُ لا يرَى ذلك اليوم في كتابِه ما قدّمَه مِنْ صدَقات وصِلَةِ أرحام وغير ذلكَ منَ الأعمال الحسَنةِ التي كانَ يُعامِلُ بها الناس في الدّنيا، لا يرَاها في كتابِه الذي يُسلَّم إليهِ يوم القيامةِ إنما يُسلَّم إليهِ ليَزدادَ استِياءً وحُزْنًا وفَزَعًا وخَوفًا وخِزْيًا لأنّهُ لا يَرى فيه إلا سيئاته.
س: هل صحيح أنّ على كتِفَي الإنسان ملَكان ملَكٌ يَكتُب الأعمالَ الحسَنة والآخَرُ يَكتُب السّيئات.
ج: هذا ليس ثابتًا، القول بأنّ على مَنكِبه الأيمن كاتب الحسَنات وعلى مَنكِبه الأيسَر كاتب السّيئات ليس صحيحًا، لكن الذي يجبُ اعتقادُه أنّ معنى :”كِرامًا كاتبِين ” يُحصُونَ علَينا أعمالَنا، ثم أيضًا ملائكة حَافظُون يَحفَظونَ الإنسانَ مما لم يُقَدّر الله أن يُصيبَنا أمّا ما قَدّر فَلا يَدفَعان عنه، الشّىءُ الذي قُدّر على هذا الإنسانِ لا يحمِيانِه منهُ أمّا مِن غيرِ المقدَّر فهؤلاء الحافظونَ يحمُونَ البشَر.
س: قوله تعالى “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”
ج: وردَ أنّه كانَ جِنٌّ أَفسَدُوا وسَفَكُوا الدِّماءَ في الأرض قَبلَ آدَم فأنزلَ اللهُ علَيهِم الملائكةَ فأَحرَقُوهُم، بعضُ المفسِّرين قالوا هذا عبارة عن هؤلاء، أمّا عندَ مَن لم يُثبِت ذلك فالجوابُ أنّ الملائكةَ يُطْلعُهم الله على كثِيرٍ مما سيَحدثُ قَبلَ أن يَحدُث، أليسَ كلَّ عام في لَيلةِ القَدْر يَأخُذونَ التّدابير التي تَحدُث إلى مِثلِ هذه اللّيلةِ مِنَ العام القَابِل، هذا بإطلاعِ الله لهم على أشياءَ قَبلَ أن تحصُل ” قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ” إنما الملائكةُ اعتمادًا على ما اطّلَعُوا عليه بإطْلاع الله إياهُم على أحوالِ بني آدمَ ما يَحدُث منهُم مِن سَفْكِ الدِّماء بغَيرِ حَقّ ومِنَ الظُّلمِ فيمَا بَينَهُم.
س:
ج: قال الله تعالى امتِحانًا للملائكةِ ليُرِيَهُم فَضلَ آدَم علَيهِم :” أَنبِئوني بأسماء هؤلاء” أي هذه الأشياء، قالُوا لا عِلمَ لنا إلا ما علّمتَنا قال يا آدمُ أنبئهم بأسمائهِم فلمّا أنبئهم باسمائهِم عَرفُوا فَضلَ آدم والخاصّة التي خَصّه الله بها.
س: ما معنى قوله “خليفة”
ج: خليفةً معناهُ حَاكِمًا.
س: بأيّةِ لُغةٍ أَنبَئهُم آدمُ بأسمائهِم.
ج: يحتَملُ أن يكون بالسُّريانية لأنّ لُغَته التي كانَ حِوارُه بها معَ أولادِه في الأكثَر هي السُّريانيّة ويحتَمِل أن يكونَ بغَيرها لأنّ الله علّمَهُ السُّريانية وغَيرها.
س: معاويةُ مِن كتَبةِ الوَحْي.
ج: مجرّد أنّ إنسانًا كتَبَ الوَحي لرسولِ الله ليسَ معنى ذلكَ أنّ هذا الإنسانَ مُقَدّسٌ عندَ الله، ثلاثةٌ ممن كتَبُوا الوَحيَ لرسول الله ارتَدُّوا وكفَرُوا، أحَدُهم جاءَ إلى الشّام بعدَ أن حَفِظَ سُورَتين، أعظَم سُورتَين في القرآن البقرة وآل عمران، وكانَ مِن أهلِ المدينة يُصلّي خَلفَ الرّسول، فتَنَ اللهُ قَلبَهُ فهَربَ مِنَ المدينة وجاءَ إلى النّصارى إلى ناحيةِ بَرِّ الشّام، ناحيةُ برِّ الشّام كلُّهم كانوا نصَارى ما فيهِِم واحِدٌ يقولُ لا إله إلا الله، صارَ يَسُبُّ الرّسولَ معَهُم فَرحُوا بهِ قالوا هذا جَاءنا مِن عندِ محمّدٍ وهرَبَ منهُ ولجَأ إلينا وهَذا الرّجُل كانَ مِن الأنصار ثم ماتَ فدفَنُوه فلَفظَتْهُ الأرضُ ما قَبِلَتْهُ وجَدُوه على وجهِ الأرض، قالوا هذا فِعلُ محمّدٍ وأصحابِه فلْنَحفِر لهُ ولنُعَمّق فحفَرُوا لهُ وعمَّقُوا فدَفنُوه ثم لما أَصبَحُوا وجَدُوه مَرمِيًّا على وجْهِ الأرض، وهذا الرّجُل أنس بنُ مالك ما سمّاهُ قال إنّ رجُلاً منَ الأنصار ما سمّى اسمَه، ثم في المرّةِ الثالِثة كذلك حفَرُوا لهُ مرّةً ثالثةً ثم وجَدُوه مَنبُوذًا فكرِهُوه قالوا هذا لهُ شَأنٌ لأجْلِه لفَظَتْهُ الأرض فرمَوا عليهِ الحِجارة، كوَّمُوا عليهِ الحِجارةَ وترَكُوه على حالِه مِن غيرِ دَفن، هذا أحَدُ الثّلاثةِ الذينَ كتَبُوا لرسولِ الله ثم ارتَدّوا، وآخَر عُبَيدُ الله بنُ جَحشٍ هذا أيضًا كانَ يَكتُب لرسولِ الله ثم هاجَرَ إلى الحبَشة عندَ هِجرةِ الصّحابةِ إلى الحبشَة ثم هناك فُتِنَ تنَصّرَ فارتَدَّ فماتَ كافرًا على رِدّته وآخَرُ ارتَدّ ثم بعدَ بُرهَةٍ هرَبَ إلى مكّةَ لأنّ مكّةَ كانت مَركزَ المشركينَ قَبلَ أن يَفتَحَها رسولُ الله بعدَ الهجرة، هذا رجَع إلى الإسلام فثبَتَ على الإسلام وحَسُنَت حَالُه، ليسَ معنى أنّ فُلانًا كتَبَ الوَحيَ لرسولِ الله صارَ مُقَدّسًا مِثل أبي بكر وعمر وعثمانَ وعليّ، معاويةُ كتَبَ مَرّةً مما ذُكِرَ في كتبِ الحديث أنّ الرّسولَ أَعطَى لفُلان أرضَ كذا وأرضَ كذَا إقْطاعًا مِن بابِ الإقطاع، مرّةً كتَب هذا باسمِ رسولِ الله، “وهذَا ما أعطَى رسول الله صلى الله عليه وسلم”
)أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَقْطَعَ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا – قَالَ ابْنُ النَّضْرِ وَجَرْسَهَا وَذَاتَ النُّصُبِ ثُمَّ اتَّفَقَا – وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ. وَلَمْ يُعْطِ بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَكَتَبَ لَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم– « هَذَا مَا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِلاَلَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِىَّ أَعْطَاهُ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ جَلْسَهَا وَغَوْرَهَا وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ مُسْلِمٍ”رواه أبو داود(.
كتَبَ مِثلَ هذا معاويةُ، هذا ليسَ معناهُ أنّ معاويةَ مُقَدّسٌ مثل أبي بكر وعمر، أليسَ قَتلَ عِشرينَ ألفَ نَفس مِن صَحابةٍ وتَابعِين لما حَارَب عليًّا ظُلمًا، وهذا كانَ في معركةِ صِفّين وكانَ فيهم أصحابُ رسولِ الله،فِيهم الذي قال فيه الرّسول “إنّ الجنّةَ تَشتاقُ إلى ثلاثةٍ عليّ وعمارٍ وبِلال” عمّار بنُ ياسر معاويةُ قتَلَه، يقولونَ عن معاويةَ كاتب الوَحْي، نَتْبَعُ صاحبَ الشّرع أم نَتبَعُ العاطفةَ والرأي، الرسولُ قال ” ويْحَ عَمّار تقتُلُه الفِئةُ الباغِيَة ” الفئةُ الباغيةُ هيَ معاويةُ وجيشُه، وهذا الحديثُ مِن أصَحِّ الصّحيح ويقال لهُ المتواتر عندَ أهلِ الحديث، ما يوجَد في الحديث أقوى منَ المتواتر، أمّا القرآن فكُلُّه مُتواتِر أمّا الحديثُ طبَقاتٌ، مُتواترٌ، وهذا أعلَى الحديث صِحّةً ثم المشهورُ ثم أفرادُ الصّحيح ثم بعدَ ذلكَ الحسَن ثم بعد ذلكَ الضِّعَاف والموضُوعات.
قالَ رسول الله :” وَيحَ عَمّارٍ تَقتلُه الفئةُ الباغيةُ يَدعُوهم إلى الجنّة ويَدعُوهم إلى النار ” رواه البخاري. لأنّ عمّارًا يَدعُو الناس إلى طاعةِ الخليفة الرّاشد علي بنِ أبي طالب الذي لا يجوز الاستعصاءُ والتّمرد عليه بحُكْم الشّرع، عمّارٌ يَدعُو إلى طَاعةِ الخليفةِ الرّاشِد وذلكَ في سبيلِ الجنّة، وأمّا الآخَرُونَ الذين قاتَلُوا عليًّا هؤلاء دُعاةُ النار، الرسولُ سمّاهم دعاةَ النار، كيفَ نقُول هؤلاء لهم أجرٌ وهؤلاء لهم أجْرٌ، هؤلاء اجتَهدُوا وهؤلاء اجتَهدوا، نَترُك كلامَ رسول الله وراءَ الظُّهور ونَتبع رأيًا فاسِدًا قالَهُ بعضُ الفقهاءِ مِنَ شافعيةٍ وحنَفِيةٍ، الإمامُ الشّافعيُّ ليسَ مع هؤلاءِ قالَ كُلُّ مَن قاتَل عَليًّا فهوَ باغِي، والباغِي في اللّغة هو المعتدِي الظّالم.
س:
ج: عائشةُ وطَلحة والزّبير الله تعالى غفَرَ لهم، طلحةُ والزّبير غُفِرَ لهما لأنهما ما قُتِلا إلا بعدَ أن انصَرفا بنِيَّتهِما عن هذِه المعركة، لأنهما مِنَ الذينَ سبقَت لهم السعَادةُ عندَ الله، الزّبير أكبَرُ الناس درجَةً في الذينَ حضَرُوا وَقْعَة الجمل، طلحةُ والزّبير هذان مِنَ العشَرة المبشَّرين بالجنّة ومَع ذلك جرَى القدَر عليهما فوقعَا في هذه المعصية لكنْ ما ماتا حتى تابا.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال :” وَيْحَ عَمّار تَقتلُه الفئةُ الباغية يَدعُوهم إلى الجنّةِ ويَدعُونَهُ إلى النار.