بسم الله الرحمن الرحيم
من المهمات التي لا يستغني عنها حتى التاجرُ في أمور تجارته
الحمدلله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطاهرين وسلم،
وبعد، فإنه مما لا شك فيه لدى كل عاقل أن التفكر في عواقب الأمور من المهمات التي لا يستغني عنها حتى التاجرُ في أمور تجارته والطالب في دراسته والمريض حين يذهب للتداوي، فكان الأولى التفكر في أمر الآخرة لأن التاجر وإن كان حذقاً ذكياً، ولكنه لا يضمن الربح في التجارة، وكذلك الطالب والمريض.
وهذا ما حض عليه الشرع، ففي القرآن الكريم “وللآخرة خير لك من الأولى”، وفي الحديث الشريف أن الكيّس أي الذكيّ الفطن هو من دان نفسه أي حاسبها، وعمل لما بعد الموت (رواه الترمذي).
فمن مهمات الاعتقاد التي يجب معرفتها على كل شخص، أن الله تعالى واحد بمعنى أنه ليس له شريك وليس له شبيه وأنه تعالى هو الذي خلق كل شيء بمعنى أنه أبرز الأشياء من العدم إلى الوجود، وهذا معنى لا إله إلا الله أي لا خالق إلا الله، سواء في ذلك الأجسام الكثيفة كالأرض والعرش، والأجسام اللطيفة كالهواء والنار، وسواء في ذلك الأعمال التي نقوم بها باخيارنا وإرادتنا كالقيام إلى الصلاة أو تلك التي لا نقوم بها بإرادتنا كضربات قلوبنا وخروج النفس منا ورجوعه بلا تكلف ولا تفكر، وقد قال الله تعالى “قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ (من سورة الأنعام)، فالصلاة والنسك وهو الحج والعمرة، يفعلهما الانسان باخياره وإرادته، وأما محيانا ومماتنا فلا يحصلان باختيارنا بل بمشيئة الله وعلمه وقدرته، وكل ذلك يتساوى في كونه مخلوقاً لله تعالى، لا فرق في ذلك بين ما نفعله باختيارنا وما نفعله مضطرين كحركة المرتعش من البرد أو المرض، لأن مشيئة العبد لا تغلب مشيئة الله تعالى وهو قول الله “وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ربّ العالمين” (سورة الإنسان)، وهذا في الحقيقة معنى لا إله إلا الله.
وقد قال عز وجل في القرآن الكريم “قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد”، فالأحد أي أن الله تعالى واحد لا شريك له ولا مثيل، والصمد أي أن الله تعالى لا يحتاج إلى شيء لا إلى سماء ولا إلى عرش، ولكن الله تعالى خلق السماء والعرش وسائر المخلوقات دليلاً على كمال قدرته، فلو أن كل الناس آمنوا، فالله لا ينتفع بذلك، ولو أن كل الناس كفروا لا ينضرّ الله بذلك لأنه الخالق وما سواه مخلوق.
وأما قوله تعالى “لم يلد ولم يولد” أي أن الله منزه عن صفات المخلوقين، فمن نسب لله الولد فهو مكذب للقرآن الكريم، قال تعالى “إن الدين عند الله الإسلام” وهو ما أتى به جميع الأنبياء المكرمون من نبيّ الله آدم إلى سيدنا موسى وعيسى وخاتمُهم محمدٌ صلى الله عليهم وسلم أجمعين، كلهم أتوا بدين الإسلام، ولا دين حق إلا الإسلام.
وأما قوله تعالى ولم يكن له كفوًا أحد، فهذا فيه نص واضح على أن الله ليس له شبيه، فلذلك وجب تنزيه الله عن المكان والجهة لأنه عز وجل هو الذي خلق المكان فما سواه، قال تعالى “بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” (سورة الأنعام) فهو تعالى بديع السموات والأرض أي خالقها جميعَها، فكيف يكون محتاجاً إليها وهو خالقها؟.
وقوله تعالى “أنى يكون له ولد” أي أن الله منزه عن الولد لأنه منزه عن الصاحبة أي الزوجة، وخلق كل شيء في الآية لم تستثن شيئاً عن كونه مخلوقاً لله، وفي أول الآية دليل واضح على استغناء الله عن السماءوهو كان موجوداً قبل أن يخلقها من غير حاجة إليها.
وهو بكل شيء عليم، أي أن الله لا تخفى عليه خافية يعلم الأشياء قبل وجودها، قال تعالى “أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ” (سورة الملك).
فالعاقل يتجنب الكفر بأقسامه ويرجو أن تكون عاقبته إلى الجنة فلا يتكلم بما هو كفر كالذي يسبّ الله تعالى ولو كان غاضباً أو مازحاً لا ينفعه ذلك بل يكون كافراً مع ذلك، وكذلك إن اعتقد بقلبه أن الله يشبه شيئاً من مخلوقاته قال الإمام الطحاوي “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر”، وهو أي الطحاوي يحكي إجماع أهل السنة والجماعة على ذلك أي على كفر من ظن أن الله جسم قاعد فوق العرش كالوهابية.
ومن الكفر الفعلي رمي المصحف في القذر أو النجاسة كما يفعل بعض طلبة المدارس لدى انتهاء السنة الدراسية.
وهذا كله يستوجب أن يقول فاعله بلسانه الشهادتين لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وبذلك يرجع مسلماً ولا ينفعه الاستغفار إلا بعد النطق بالشهادتين متبرئاً من الكفر كارهاً له،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين