قال شيخنا رحمه الله
قالتِ القَدَريّةُ ما لم يقل اللهُ عزّ وجلّ ولا الملائكةُ ولا النبيّونَ ولا أهلُ الجنّةِ ولا أهلُ النار
يقولُ البيهقي رحمه الله تعالى سألَ رجُلٌ ابنَ عُيَيْنَةَ عن القَدَريّة فقال يا ابنَ أخِي قالتِ القَدَريّةُ ما لم يقل اللهُ عزّ وجلّ ولا الملائكةُ ولا النبيّونَ ولا أهلُ الجنّةِ ولا أهلُ النار ولا قالَ أخوهم إبليس. قالَ الله عزَّ وجلَّ:” وما تَشاؤونَ إلا أن يشَاءَ اللهُ رَبُّ العالمين”خالفَتِ المعتزلةُ هذه الآيةَ لأنّ المعتزلةَ يقولونَ نحنُ بإرادتنا نخلُق المعاصي والشّرور الله ما له تصُرّفٌ في ذلك، أليسَ كذَّبوا بقولهم هذا هذه الآية :” وما تَشاؤون إلا أن يشَاءَ الله”.
الله تعالى يخبِرنا في القرآن الكريم أنّ العبادَ لا تحصُل مِنهُم مشيئةٌ إلا أن يشاءَ الله أي في الأزلِ أنْ يشاؤوا، لا مَشيئةَ لهم إلا بمشيئةِ الله هذا قولُ الله، فالمعتزلةُ خالفُوا الآيةَ وقالَت الملائكةُ “سُبحانكَ لا عِلمَ لنا إلا ما عَلَّمْتَنا” معناهُ العلمُ الذي فِينا أنتَ تَخلقُه، الملائكةُ اعتَرفُوا أنّ عِلمَهُم أي وسائرَ أعمالهِم الباطنِيّةَ والظّاهريّةَ لا تكونُ إلا بمشيئةِ الله وخَلقِه، اعتَرفُوا بأنّ الله تعالى هو الذي يخلُقُ فيهِم العِلمَ الذي فيهِم ولا يكونُ لهم عِلمٌ بشىءٍ بدونِ خَلقِ الله فيهِم، أمّا المعتزلةُ قالوا علُومُنا وإدرَاكاتُنا نحنُ نخلقُها، فالمعتزلةُ خالفُوا الملائكةَ وأمّا مخالفتُهم للنّبيّين وقال النبيّونَ ما كانَ لنا أن نعودَ في مِلّتكُم إلا أن يشَاءَ الله “قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّنَا” بعضُ أنبياءِ الله تعالى قالَ في مقَام التّبرّئ منَ المشركين وأعمالهِم نحنُ ليسَ لنا أن نعُودَ في مِلّتِكم هذه التي أنقَذَنا الله منها أي حمَانا مِن أن نَدخُلَ فيها ونَعتقِدَها كما أنتُم تَعتقِدونها إلا أنْ يشاءَ، معناهُ أمّا لو شَاءَ الله تعالى في الأزل أن نتّبِعَكم لتَبِعْناكُم، لكن لا نتّبعُكم،هذا مخالَفتُهم للأنبياء، وأمّا مخالفَتُهم لأهلِ الجنةِ فأهلُ الجنّةِ قالوا ” الحمدُ لله الذي هدَانا لهذا وما كُنّا لِنَهتَدِي لَولا أنْ هدَانَا الله” أهلُ الجنةِ اعتَرفوا بأنّ هذه الأعمالَ التي استحَقّوا بها هذا النعيمَ المقِيم ليسَ إلا بمشيئةِ الله وخَلقِه فيهم، اعتَرف أهلُ الجنّة بأنّهُ لولا أنّ الله تعالى شاءَ لهم وخَلَق فيهم هذه الأعمالَ الصّالحةَ ما دخَلُوا الجنّة، هذا النّعيم ما نَالُوه، المعتزلةُ خالفَت، قالت المعتزلةُ نحن خلَقْنا إيمانَنا وأعمالَنا الصّالحةَ فلذلك صارَ على الله فَرضًا لازمًا أن يُثيبَنا،هنا أيضًا ظَهَر تَكذيبُهم لأهلِ الجنّة، وأمّا مخالفتُهم لأهل النار وقالَ أهلُ النار:” ربّنَا غَلَبَت علَينا شِقْوَتُنا“ “قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ” هذا الكلامُ أيضًا فيه اعتِرافٌ ضِمنيٌّ بأنّ اللهَ تَبارك وتعالى شاءَ وخَلَق الضّلالَ الذي استحَقُّوا به هذهِ النارَ، المعتزلةُ كذّبَت ذلكَ، وقال أخُوهم إبليس :” ربِّ بما أَغوَيتَني لأقعُدَنّ لهم صراطَكَ المستقِيم” أي لأنّكَ أَغويتَني أي كتَبتَ عَليَّ الغَوايَة أي أن أَضِلَّ باختِياري فضلَلتُ أنا أقعُد لبَني آدمَ صراطكَ المستقيم أي لأخرجَهُم وأُبعِدَهم منه، هذا إبليسُ صارَ أفقَهَ منَ المعتزلةِ، إبليسُ عرَف أنّ الله تعالى هو خالقُ الغَوايةِ والضّلالةِ فيمَن ضَلّوا مِن عبادِ الله، أي أنّ الذين يضِلّونَ مِن عباد الله فبِخَلقِ الله ومشيئتهِ يَضِلّون ليس مستَقلِّين عن مشيئةِ الله وتخليقِه، أي لا يعمَلُون شيئًا مِن غيرِ أن تَسبِقَ مَشيئةٌ منَ الله تبارك وتعالى في الأزل في ذلك الذي يحصل منهم، هذا اعتِرافٌ بأنّ ما يحصُل مِنَ العباد مِن ضلالٍ وفسَاد فهو بخلقِ الله فينا أي ومشيئتِه ذلك.
هذا الكلامُ عن سفيانَ بنِ عُيَيْنة وهذا سفيانُ بنُ عُيَيْنة يكونُ منَ الأئمةِ المجتهدينَ الذين أخَذَ الشافعيُّ وغيرُه عنهم أحاديثَ نبويّة بالأسانيدِ لأنهُ كانَ محدِّثًا منَ المحدثين أكبرَ سنًّا منَ الشافعي، وقد سبَق مثلُ هذا في هذا الكتاب عن سيّدنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
س:
ج: نحنُ نَكرهُ ونُنكرُ المقدُورَ الذي هو معصية لله تبارك وتَعالى مع عِلمِنا أنه لم يحصلْ إلا بتقديرِ الله ومشيئتِه وتخليقِه مع هذا نَكرَهُ هذا المقدُورَ الذي هو شرٌّ لكن نُسلِّمُ لله تعالى تَسليمًا لخلقِه هذه المقدُورات التي هي معاصِي، نُسَلِّمُ للهِ ولا نَعتَرضُ عليه، لا نقولُ يا ربَّنا لما خلَقتَ هذه المعاصِي في هؤلاء العِباد، لكن نَكرَهُ هذه المقدُورات التي هيَ شَرّ أمَرَنا الله تعالى بكراهِيَتِها، هو يَكرَهُ لكنْ هوَ معَ كراهِيَتِه لها خلَقَها، بمشيئتِه الأزليةِ وتقديرِه الأزليّ وعلمِه وقُدرتِه الأزلية خلقَها، نحن لا نعترضُ على الخالِق الذي خلقَها نحن نعتَرضُ على هؤلاء الذين يُباشِرُونَ بفِعْلها واكتَسبُوها، لكن نحنُ فَرضٌ أيضًا أن ننْهاهُم لأنّنا لا نَعلَمُ ماذا سبَقَ لهم مِن خَواتِيم أحوالهِم، نحنُ نَعلَمُ أنّ هَذا الإنسانَ إلى هذهِ اللّحظة كافرٌ أمّا ما بعدَ هذه اللحظةِ لا نَعلمُ لأنّ الله قد يحوّلُ قلبَه وجوارحَه إلى الخير، نحنُ نَظرًا لهذا علَينا أن نأمرَ الشّخصَ الكافرَ إنْ رَجَوْنا أنه يَقبَلُ النّصيحةَ، ونَنهَى مَن يَرتكبُ المنكَر عمّا يرتَكبُه مِنَ المعاصي نظَرًا لهذا المعنى ليسَ لأنّنا نَعلَمُ عَواقِبَ أنفُسِنا وعواقِبَ غَيرِنا مِنَ العباد، العواقبُ مَستورةٌ عنّا، الله تعالى الذي يَعلَمُ العواقِبَ، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضَلُ خَلقِ الله كانَ يَدعُو على أُناسٍ مِنَ الكُفّار باهتِمامٍ شَديد، لعُظْم فسَادِهم كانَ يَدعُو علَيهِم ولم يكن أَعلمَهُ الله بأنّ هؤلاء سيُسْلِمُون وسيمُوتون على الإيمان، ما أعْلمَه الله، فأنزلَ اللهُ عليه:” ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَىءٌ أو يتُوبَ علَيهم أو يُعَذِّبَهُم فإنهم ظَالمون” ءال عمران128
فكَفَّ بَعدَ ذلكَ عن الدُّعاءِ علَيهِم، سكَتَ، فأَسْلَمُوا بعدَ ذلكَ وماتُوا على الإسلام، إذا كانَ الرّسولُ لم يُعطِه الله عِلمَ عَواقِب العبادِ إلى أيّ حَالَةٍ يتَحوّلون، وإلى أيِّ عمَلٍ يَصِيرُونَ فمَا بالُنا.
نحنُ نَنظُر إلى ما حَصلَ إلى هذه الحالةِ الواحدةِ مِن أنفسِنا ومِن غَيرِنا فنَبني على ذلكَ الأمر النّهيَ والمدْحَ والذمَّ، المدحُ والذّم أيضًا نحن نَنظُر فيهِ إلى حالِ العَبدِ إلى الوقتِ الحاضِر لأنّ العواقبَ مُخْفَاتٌ عَنا، الله تعالى أخْفاها عنا هوَ الذي يعلَمُ العَواقب.