تقسيم بعض الناس التوحيد إلى ثلاث توحيدات بدعة باطلة منكرة
الحمد للهِ الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتَّخِذ صاحبةً ولا ولدا، جلَّ ربي لا يُشبه شيئا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يَحُلّ في شىءٍ ولا ينحلُّ منه شىءٌ، جلَّ ربي تنـزَّه عنِ الأينِ والكيفِ والشكلِ والصورةِ والحدِّ والجهةِ والمكان، ليس كمثلِهِ شىءٌ وهو السميعُ البصير. والصلاة والسلام على سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمّدا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه.
تقسيم بعض الناس التوحيد إلى ثلاث توحيدات بدعة باطلة منكرة لم يرِد ذلك في القرءان ولا في الحديث ولا على لسان واحد من السلف الصالح أو أحد العلماء المعتبرين إنما هي بدعة تفرّد بها طائفة مشبّهة العصر رغم زعمهم أنهم يحاربون البدعة والدليل على فساد تقسيمهم هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله” ولم يقل الرسول حتى يوحدّوا ثلاثة توحيدات. وهذا الحديث متواتر رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعٌ من الصحابة منهم العشرة المبشرون بالجنة، وقد أورده البخاري في صحيحه، ومراد المشبهة من هذه البدعة أن يكفّروا المسلم الذي يوحّد الله إذا توسل بالرسول أو بوليّ من الأولياء فهم يزعمون أنه لا يكون وحد الله توحيد الألوهية ويريدون بذلك أيضا أن يكفروا من أوّل الآيات المتشابهة لصرفها عن المعنى الظاهر الذي يتبادر منه معنى لا يليق بالله، فثبت من هذا الحديث المتواتر أن تقسيمهم التوحيد إلى ثلاثة باطل وأنهم هم المبتدعة ولو زعموا أنهم يحاربون البدعة.
فقد أدخلوا في دين الله بدعة جديدة لم يقلها المسلمون وهي قولهم توحيد الألوهية وحده لا يكفي للإيمان بل لا بد من توحيد الربوبية وهذا ضد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها”. جعل الرسول اعتراف العبد بإفراد الله بالألوهية وتنزيهه عن مشابهة الخلق وبوصف رسوله محمدا بالرسالة كافيا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نطق الكافر بهذا يحكم بإسلامه وإيمانه ثم يأمره بالصلاة قبل غيرها من أمور الدين للحديث الذي رواه البيهقي في كتابه الاعتقاد. وهؤلاء عملوا دينا جديدا وهو عدم الاكتفاء بالأمرين المذكورين وهذا من غباوتهم فإن توحيد الألوهية هو توحيد الربوبية بدليل أنه جاء في سؤال القبر حديثان حديث بلفظ”الشهادة” وحديث بلفظ “الله ربي”، وهذا دليل على أن شهادة أن لا إله إلا الله شهادة بربوبية الله. وما أعظم المصيبة على المسلمين بهذه الفرقة.
وجاء في كتاب مصباح الأنام الفصل الثاني لعلوي بن أحمد الحداد “توحيد الألوهية داخل في عموم توحيد الربوبية بدليل أن الله تعالى لما أخذ الميثاق على ذرية آدم خاطبهم تعالى بقوله {ألستُ بربكم} ولم يقل بإلهكم فاكتفى منهم بتوحيد الربوبية ومن المعلوم أن من أقرَّ له بالربوبية فقد أَقرَّ له بالألوهية إذ ليس الربُ غير الإله بل هو الإله وأيضا ورد في الحديث أن الملكين يسألان العبد في قبره فيقولان من ربُكَ ولم يقولا من إلهك، فدلَّ على أن توحيد الربوبية شامل له، ومن العجب العجاب قول المدعي الكذَّاب لمن شَهِدَ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله من أهل القبلة أنت لم تعرف التوحيد، التوحيد نوعان توحيد الربوبية الذي أقرَّت به المشركون والكفَّار وتوحيد الألوهية الذي أقرَّت به الحنفاء وهذا هو الذي يُدخِلُكَ في دين الإسلام وأما توحيد الربوبية فلا، فيا عجبا، هل للكافرِ توحيد صحيح ! فإنه لو كان توحيده صحيحا لأخرجه من النار إذ لا يبقى فيها موحد كما صرحت به الأحاديث فهل سمعتم أيها المسلمون في الأحاديث والسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَدمَت عليه أجلاف العرب ليسلموا على يده يفصِّل لهم توحيد الربوبية والألوهية، فما هذا الافتراء والزور على الله ورسوله ! فإن من وَحَّدَ الرب فقد وَحَّدَ الإله ومن أشرك بالرب أشرك بالإله ، فليس للمسلمين إله غير الرب فإذا قالوا لا إله إلا الله يعتقدون أنه هو ربهم فينفون الألوهية عن غيره كما ينفون الربوبية عن غيره أيضا ويثبتون له الوحدانية في ذاته وصفاته وأفعاله”.
وقول هذه الفرقة المبتدعة “إن الرسل لم يُبعَثوا إلا لتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله}”. اهـ
فكلامهم هذا مردود عليهم باطل فيما ادعوه من تسوية بين المشركين والمسلمين في توحيد الربوبية وأما إقرار المشركين بخلق الله للسموات والأرض فهو إقرار بألسنتهم، ولا يعني ذلك أنهم موحدون لرب العالمين، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد حين دخوله الإسلام إن هناك توحيدين وعليك كي تكون مسلما أن توحد توحيد الألوهية ولا يكفيك أن توحد الرب فقط. ودليل آخر على دحض عقيدتهم قول الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام لصاحبي السجن حين دعاهما إلى التوحيد{أأرباب متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار} فيوسف عليه السلام دعاهم إلى توحيد الرب المستحق للعبادة الذي هو الله تعالى .
ومن مجلة نور الإسلام والتي تصدرها مشيخة الأزهر الشريف (ربيع الثاني سنة 1352 هـ) نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لفضيلة العلامة يوسف الدجوي الأزهري المتوفى سنة 1365هـ “قولهم (إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية)تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية، وغير معقول أيضا كما ستعرفه، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام : إن هناك توحيدين وإنك لا تكون مسلما حتى توحد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة، ولا سُمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شىء، ولا معنى لهذا التقسيم ….. وأما قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله}، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم إجابة لحكم الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات والآيات البينات، ولعلهم نطقوا بما لا يكاد يستقر في قلوبهم أو يصل إلى نفوسهم، بدليل أنهم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبهم، وأنهم ينسبون الضر والنفع إلى غيره، وبدليل أنهم يجهلون الله تمام الجهل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر الأمور، وإن شئت فانظر إلى قولهم لهود عليه الصلاة والسلام {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} فكيف يقول ابن تيمية (إنهم معتقدون أن الأصنام لا تضر ولا تنفع) إلى آخر ما يقول؟!. ثم انظر بعد ذلك إلى قولهم في زرعهم وأنعامهم {هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم}، فقدموا شركاءهم على الله تعالى في أصغر الأمور وأحقرها. وقال تعالى في بيان اعتقادهم في الأصنام {وما نرى معكم من شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء}، فذكر أنهم يعتقدون أنهم شركاء فيهم، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد(أعل هبل)، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله “الله أعلى وأجل”، فانظر إلى هذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد الذي ينسبه إليهم ابن تيمية ويقول (إنهم فيه مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية) ؟!.”اهـ كلام مشيخة الأزهر ملخصا.
والله تعالى أعلم وأحكم