قال الله تعالى: “وابتغوا إليه الوسيلة” هذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل
الحمدلله تعالى،
قال الله تعالى: “وابتغوا إليه الوسيلة” (سورة المائدة، 35) وأيّ وسيلة خلقها الله أشرف وأفضل وأقرب إلى الله من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وهل تعرفون أن في كتاب لابن تيمية الحراني أسماه “قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة” حجة عليه وعلى من يتبعه بالباطل يحرّمون زوراً التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ينقل في كتابه ذلك من فعل السلف أنهم كانوا يتوسلون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أي ابن تيمية: “روى ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء قال: حدثنا أبو هاشم سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ، قال: ما هو؟ قال: الدُّبَيْلَة، (وهي خرّاج ودمل كبير تظهر في الجوف تقتل صاحبها غالباً)، قال: فتحول الرجل فقال: الله الله الله ربي لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبيّ الرحمة، يامحمد إني أتوجه بك إلى ربك وربّي يرحمني ممّا بي، قال: فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة، قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السّلف. اهـ
وهذا حجة على الوهابية في تحريمهم التوسل ذكره إمامهم ابن تيمية وهو يروي عن السلف التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيّ حجة لهم بعد ذلك؟.
وقبله روى البخاري صاحب الجامع الصحيح رضي الله عنه (256 هـ.) بالإسناد الصحيح المتصل في كتاب الأدب من تصنيفه عن عبدالرحمن بن سعد القرشي قال: خدرت رجل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقال له رجل: أذكر أحبّ الناس إليك، فقال: “يا محمد” صلى الله عليه وسلم، وفي عمل اليوم والليلة للحافظ أبو بكر بن السني (364 هـ.) فقال “يا محمد فذهب خدره”.
ومعنى قول ابن عمر رضي الله عنه “يا محمد” أي “يا محمد أغثني” وفيه دليل على استحباب الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكرب والمرض وغيرهما بما له من الكرامة عند الله عز وجلّ، وهذا الحديث أقرّه واستحبه ابن تيمية (728 هـ.) على ما لديه من ضلال وتجسيم وتشبيه لله بخلقه في كتاب له أسماه “الكلم الطيب” تدلّ هذه التسمية على أنه يرويه مستحسناً له فيكون حجة على من يقلدونه في ضلالاته.
والحجة الأصل في استحباب التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الحديث الذي رواه الحافظ الطبراني (360هـ.) في معاجمه الثلاثة وصححه، وهو الذي وصفه الذهبي في تذكرة الحفاظ بـ”الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ مسند الدنيا”، وأقرّه على تصحيحها الحافظ نور الدين الهيثمي (807هـ.) في مجمع البحرين في زوائد المعجمين الصغير والأوسط (ج2 ص 318)، وكذا في مجمع الزوائد (ج2 ص 279) بتحرير الحافظين الكبيرين زين الدين العراقي وابن حجر العسقلاني (852هـ.)، وصححها الحافظ البيهقي في دلائل النبوة، بل زاد إمام الذين نازعوا في التوسل، أعني ابن تيمية (728هـ.)، تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (569هـ.)، والحديث هو “عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقيَ عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: إيت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ثم قل: اللهمّ إني أسألك وأتوجّه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيّ الرحمة، يا محمّد إني أتوجّه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك ورُح إليّ حتى أروحَ معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثمّ أتى باب عثمان فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟، فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له (معتذراً) ما ذكرتُ حاجتك حتى الساعة، وقال ما كان لك من حاجة فأتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقيَ عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً ما كان ينظرُ في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو تصبر؟، فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق عليّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إئت الميضأة فتوضأ ثمّ صلّ ركعتين ثم أدعُ بهذه الكلمات، فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرّقنا وطالَ بنا الحديث حتى دخل عليه رجل كأنه لم يكن به ضرر قط”. قال الطبراني: “والحديث صحيح”.
ولم يقل أحد من العلماء إن أحاديث التوسل لا يعمل بها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما أنه صلى الله عليه وسلم حيٌ يصلي في قبره لا يخرج منه صلى الله عليه وسلم لحديث “الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون” رواه أبو نعيم في تاريخ إصبهان وأبو يعلى الموصلي والبزار والبيهقي من حديث أنس مرفوعاً وصحّحه وأقرّه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، فهل بطلت بركة النبوة باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى جبريل عليه السلام؟، حاشا وكلا، وقد كشف سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وقبله قائلاً “بأبي أنت وأمي، طبت حياً ومـيّـتاً” رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في السنن.
وذكر القاضي عياض عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله حرمته بعد موته كحرمته حياً، فقال له الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال مالك مستنكراً: ولمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟، بل استقبله (يريد استقبل القبر الشريف وإن استدبرت القبلة) واستشفع به فيشفعه الله، اهـ
اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً، يا رسول الله أغث بإذن الله عبداً استغاث بك فإنك خير شافع وخير مشفع وأنت أكرم الخلق على الله تعالى،
دعاكم لمن كتبها ولمن ينشرها أرجوكم يرحمكم الله