قصّة قوم نبيّ الله صالح
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
انظروا هذه القصة العجيبة والمعجزة الباهرة لنبي الله صالح عليه السلام.
لما هلكت قبيلة عاد بعد تكذيبها لنبي الله هود عليه السلام وانقضى أمرُها حلَّت قبيلة ثمود العربية أرضها في وادي الحِجْر بين المدينة المنورة وتبوك وكانت أعمار هذه القبيلة طويلة حتى إن الأبنية كانت تنهدم وتَبلى قبل فَناء أعمارهم فكان الرجل منهم يبني البُنْيان فتمرّ عليه المائة عام فيَخْرَب فأضْجَرَهم ذلك فاتَّخَذوا بيوتا في الجبال وحفروها ونحتوها وكانوا في سَعَة من العيش ورَغَد ونِعمة ولكنهم مع كل هذا عبدوا الأصنام مِن دون الله وأشرَكوا به وكان سيدنا صالح بن عُبَيد بن ءازِفٍ لا يفعل ما يفعلون من الكفر والمعاصي بل حفِظَه الله وعَصَمه فعندما بَلَغ الأربعين بُعِثَ نبيًّا وأوحَى الله إليه بأن يَدعوَ قَومه إلى “لا إله إلا الله” والإقرار بأنه عبده ورسوله وإلى تَرْك عبادة الأصنام وأن يُعَلِّمَهم الإسلام.
يُروى أن سيدنا صالحًا عليه السلام أقْبَل إلى قَومه في يوم عِيدٍ لهم وقد نَصَبوا أصنامَهم واجتَمعوا على يمينها وشمالها وبينهم مَلِكُهم واسمه جُنْدَع فتَقَدَّم سيدنا صالح وقال للمَلِك: قد عَلِمْتَ نُصْحِي لكَ وقد جئتُك أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله. وكان للمَلِك ابن عَمٍّ مِن الكَفَرة يُقال له هُذَيْل فقال: لا نحتاج إلى نُصْحِك فانصَرِف عنّا، فقال سيدنا صالحٌ عليه السلام: يا هذا إنّك ميّتٌ في يومِكَ هذا أنت وزَوجُك وولدُك في وقت كذا وكذا بإذن الله وفي الغد يموت أبوك وأمُّك فبادِر إلى الإيمان. فانصَرَف الرجل والقومُ يَتَرقَّبون الوقت الذي ذَكَره سيدنا صالح، فلما جاء الموعد مات الرجل وزوجته وولدُه وانتَشَر الخبر في قوم ثمود ومات أبوه وأمُّه من الغَد فتَعَجَّب الناس وجَزعوا وخاف المَلِك ثم تَوَجَّه سيدنا صالحٌ بالكلام إلى قومه قائلا: يا قَوْمِ إنْ أحيا اللهُ هذا الميّتَ بدعائي تُؤمنون بإلهي وتتركون أصنامكم؟ قالوا: نعم، فجاء سيدنا صالحٌ إلى الميّت ودعا ربَّه ثم نادى الميّت باسمه فقام بإذن الله وهو يقول: لبَّيك يا نبيّ الله، لبَّيك يا نبيّ الله صالح، لا إله إلا الله صالحٌ عبد الله ورسوله، فآمَن به بعض الناس ولم يَزْدَد الباقون إلا كُفْرا فخَرَج صالح عليه السلام مِن بينهم وأمَرَه الله أن يَبني مسجدا لنَفْسِه ولِمَن معه من المؤمنِين. لمَا رأى الكفّار تَمَسُّكَ صالح بالحق وثَباتَه عليه وخافوا مِن أن يَكثُر أتباعُه دَخلوا على صَنَمِهم وشَكَوا ما يَلْقَونه منهم على زعمهم مِن صالح، فَنَطق إبليس اللعين مِن جَوف الصَّنَم وقال: إذا رأيتُم صالِحًا فقولوا ائْتِنا ببُرهان كما أتى به هُود ونُوح، فأتَوْه وقالوا: أرِنا ءايةً، قال: أيَّةَ ءايةٍ تُرِيدون؟ فقام ملِكُهم وقال: أخْرِجْ لنا ناقةً نؤمِنْ بك ثم قالوا: نريدها ناقة ذات لحم ودَمٍ وتكون شقراءَ ولها ضَرْعٌ كبير يَفوق الجِرار الكبيرة يَدُرُّ حلِيبًا أحلى مِن العَسَل وأن يكون بارِدًا في الصيف حارًّا في الشتاء ونريد أن يكون هذا اللَّبَن لا يَشرَبه مريضٌ إلا عُوفِي ولا فقير إلا صار غَنِيًّا وزيادةً على ذلك نُريدُها حامِلا فتَضَعُ ابنَها ونحن ننظُر، فقام سيدنا صالح علي السلام صلّى ركْعَتَين لله عزّ وجَلّ ودَعا ربَّه طالبًا النُّصرة والتأييد فاضطَربت الصخرة وتَفَجَّر مِن أُصولِها الماء والقوم يَنظرون وسَمِعوا دَوِيًّا كدَوِيّ الرعد ثم تَقَدَّم صالح عليه السلام إلى الصخرة فَضَرَبها بعصًا كانت بِيَدِه فتَحَرَّكت فخَرج رأس الناقة منها ووَثَبَت مِن جَوفها ذات منظر رائع فوَقَفت بين يدَي المَلِك وقَومه وهي أحسن ممّا وَصَفوا منادِيةً “لا إله إلا الله صالحٌ رسول الله”، الناقة تنادي، الناقة تقول، الله أنطَقَها، وهي معجزة لنبيّه صالح عليه السلام، ثم أتى جبريل فأَمَرَّ جَناحَه على بَطْنِها فَخَرَج ابنُها أمامَهم على شَكْلِها ولَونِها وعِظَمِها، فلما رأى المَلِك ذلك قام عن سَريرِه وقَبَّل رأس صالح وقال: يا مَعْشَر قبائِل ثَمود لا عَمى بعد الهُدى أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن صالحا رسول الله، وءامَن في ذلك اليوم خَلْقٌ كَثير مِن أهل مَمْلَكَتِه وغيرِهم ولكن قِسْمًا مَن الكُفَّار أَبَوْا وأصَرُّوا على كُفْرِهم وخَلَعوا المَلِكَ ووضَعوا أخاه شِهابًا مكانَه.
كانت الناقة تخرُج وابنُها خَلْفَها فتصعد إلى رءوس الجِبال ولا تَمُرُّ بشجرة إلا الْتَفَّتْ عليها أغصانُها فتأكُل أَطايِبَ أوراقِها ثم تَهْبِط إلى الأودية فتَرْعى هُناك فإذا جاء المساء تدخُل المدينة وتطوف على بيوت أهلِها وتُنادي بِلِسان عربيّ فصيح: مَن أرادَ مِنكُم اللَّبَن فلْيَخْرُج، فيَخرُجون بأوْعِيَتِهم فيضَعونها تحت ضَرْعِها فيَمْلَؤُها لَبَنًا بإذن الله فإذا اكَتَفَوا عادَت إلى مسجد سيدنا صالح تُسَبِّحُ الله حتى يأتي الصباح ثمّ تخرُج إلى المَرْعى وهذا عَمَلُها كلّ يوم. وكان للقوم بِئْرٌ يشربون منها ليس لهم سِواها فقال سيدنا صالح لهم: هذه ناقةٌ لها شِرْبُ يومٍ ولكم شِرْبُ يوم، فكانت إذا كان يومُ شِرْبِها شَرِبَت ماء البِئر كُلَّه أوَّل النهار ولم تُبْقِ لهم شيئا وتَسْقيهم لَبَنًا ءاخِرَ النهار، وإذا كان يَوم شِرْبِهم شَربوا وأخَذوا لِمَواشِيهم وأرضِهم وتَغيب الناقة عنهم ذلك اليوم وكان سيدنا صالح قد نَهاهُم عن مَسِّ الناقة بِسُوءٍ وأَذَى إكرامًا لهذه الآية العجيبة لأنها علامة عظيمة على صِدْق نبيّ الله صالِح مُعجِزة كبيرة لنبيّ الله صالح، وكانت إذا وَقَع الحَرُّ وَقَفَت بِظَهْر الوادي، فتَهْرُب الأغنام والأبقار منها إلى بَطن الوادي في حَرِّه وجَدْبِه وإذا وَقَع البردُ تَهبِط الناقة إلى بَطن الوادي فَتهْرُب البَهائم منها إلى ظَهْرِه حيث البرد القارِس فأضَرَّ ذلك بمَواشِيهِم وقد ابتَلاهم الله بهذا الأمر ليُظْهِر للناس الطائعَ مِن المُعْتَرِض، فكَبُرَ ذلك على الكافِرين وأجْمَعوا رأيَهُم في قَتْل الناقة وقام تِسْعَةٌ منهم وعلى رأسهم رجُل كافر اسمه قُدارُ بن سالِف وكان أقْبَحَ رجل في ثمود وأنْفُه أَفَطَسُ ولِحْيَتُه بِطُوله وكان يَمُرُّ بالشجرة العظيمة فيَنْطَحُها برأسه فيَكْسِرُها وطاف هؤلاء التسعة على قبائل ثمود وأعْلَموهم بما أجْمَعوا عليه مِن قَتْل الناقة، فَرَضِي بذلك كبيرُهم وصَغيرُهم واجتَمَع هؤلاء بسيوفهم وقِسِيِّهِم وذلك يوم الأربعاء وقَعَدوا ينتظِرون الناقة فأقْبَلَت حتى قَرُبَت مِن البِئر فَشَدَّ قُدارُ قَوْسَه ورَماها بِسَهْمٍ فأصاب رَقَبَتَها وأفْبَلوا عليها بالسيوف فقَطَّعوها وقَتَلوها وكان ابن الناقة يسير وراءَها فلمّا أحَسَّت بالخَطَر أنْذَرَتْهُ فَهَرَب إلى رأس الجَبَل ونَطَقَ ودعا على قوم ثَمود باللعنة، ولَما بَلَغَ سيدَنا الخَبرُ أتى مُسْرِعًا فلمّا رَءاها غارِقةً في دَمِها بَكى. وأوحى الله إليه أنه لن يؤمِن مِن قومِك إلا مَن قد ءامَن فدَعا صالحٌ على الكفّار مِن قَومه وقال: إلهي أسألٌك أن تُنَزِّل على ثمود عذابًا مِن عندك، فقال لهم: تَمَتَّعوا في دارِكم ثلاثة أيام ذلك وَعد غيرُ مَكذوب، وباتَ القومُ لَيلَتَهُم وقالوا فيما بينَهم: زَعَم صالح أنه سنموت بعد ثلاثة أيام، فنحن سنقتلُه وأهلَه قبل الثلاث، فَخَرَجت مجموعة منهم إلى حيث المسجد واختبؤوا في مَغارة وقالوا: إذا جاء يُصلّي قَتَلْناه ثم رَجَعنا إلى أهلِه فقَتَلْناهم فَبَعث الله صَخْرة فأطْبَقَت عليهم فَمَ المَغارة فَهَلكوا فلمّا جاء صباح يوم الخميس ظَهَرت الصُّفْرَة على وُجوهِهم وأجسادِهم وامتَلأت ثمامل وقروحا، فلمّا كان مِن صباح يوم الجُمُعة احمَرَّت وُجوهُهم وكأنها صُبِغَت بالدم وفي يوم السبت اسوَدَّت وُجوههم وكأنها طُلِيَت بالزِّفْتِ الأسْوَد فلمّا رأى صالح ذلك، رأى هذا منهم، تَرَكهم مساءً وخَرَج هو والذين ءامَنوا معه إلى خارج البَلد ينتظرون وَعد الله وكانوا نحو أربعة ءالاف مسلم، فلما كان اليوم الرابع وهو صبيحة الأحد، تَفَتَّقَت الثمامل في وجوهم، وأوحى الله إلى المَلَك المُوكّل بالشمس أن يُعذِّبَهم بِحَرِّها فأدْناها قليلا مِن رءوسِهم فاشْتَوَت أيْدِيهِم وتَدَلَّت ألسِنَتُهم على صُدُورهم مِن العَطَش ومات كلُّ كان معهم من البهائم وجَعل الماء يَفُور من اليَنابيع مِن غَلَيانِه حتى بَلَغ الفضاء لا يَسْقُط على شىء إلا أهْلَكه مِن شِدّة الحَرّ وأوحَى الله إلى مَلَك المَوت أن لا يَقْبِض أرواحَهم تَعذيبا لهم إلا إذا غَرَبت الشمس وأتاهُم جِبريل فَنَشَر عليهم جَناح غَضَبِه وأخَذَ بأطراف الأرض فَهَزّها فَتَزَلْزَلَتْ وصاحَ صَيْحَةً قِيل إنّ فيها ًصَوت كلِّ صاعِقةٍ وصَوت كلِّ شىءٍ له صَوت في الأرض فَتَقَطَّعَت قلوبهم مِن الخوف وماتوا وهَلَكوا جَميعا وقُبِضَت أرواحُهم مِن أجسادِهم ثُمَّ أقْبَلَت سحابة سوداءُ على دِيارِهم فرَمَتْهُم بِوَهَج الحرِيق سبعة أيام حتى صاروا رَمادا، فلمّا كان اليوم الثامن انْجَلَت السحابةُ وطَلَعَت الشمسُ وجاء صالح ومَن معه فطافوا بالديار ثم حمَلوا ما قَدَروا عليه مِن مَتاع ورَحلوا إلى مَكّة المُكَرَّمة. والحمد لله ربّ العالَمين.