“العقيدة النورية في اعتقاد الأئمة الأشعرية” للإمام أبي الحسن علي النُّوري الصفاقسي(ت1118هـ)
العقيدة النورية للإمام علي النُّوري الصفاقسي، المتوفى سنة (1118هـ)، ويصفها تلميذه علي المؤخر ـ والذي قام بشرح ميسر لها سماه: “مبلغ الطالب إلى معرفة المطالب” ـ ، بقوله: “فإن العقيدة النورية، الفاخرة السنية، والكوكبة الدرية في معتقد السادات الأشعرية، التي عمم الله نفعها في جميع البرية، حتى فتح الله بها بصائر عمية، وأحيى بقراءتها قلوبا كانت طامسة قسية، حتى أشرقت أنوار المعارف على جدرانها، فانشرحت باليقين واتسعت بإيمانها، ألا وهي عقيدة شيخ العصر، وملجأ المسلمين في هذا الدهر، والفاتق من نافع العلوم نهرا بعد نهر، الماشي في جميع أحواله في هذا الزمان على سيرة سيدنا محمد عليِّ القدر، شيخنا وسيدنا ومولانا، ومخلصنا من جميع الجهالات في ديننا ودنيانا أبو محمد، علي النُّوري الصفاقسي، المالكي الصوفي، بارك الله لنا في حياته.
موضوعه:
اقتصر الشيخ النُّوري الصفاقسي في كتابه هذا على تناول أصلين من أصول العقيدة الثلاثة، المكونة من (الإلهيات) و (النبوات) و (السمعيات)، وبما أن الأصلين الأخيرين يرجعان إلى الأصل الأول، وهما تبع وفرع له، فكل العقائد مندرجة تحت القسم الأول (الإلهيات)، لهذا لم يذكر أصل السمعيات واكتفى بالإلهيات والنبوات، اعتمادا منه على أن القرآن طافح بالآيات الدالة على ذلك المعنى، وكذلك الشأن للأحاديث الكثيرة في مجال الاعتقاد، فلشهرة هذه الأصول في المصدرين لم يذكرهما، وأيضا فهمه للنبوات بأنه من عرف الرسل وعرف صدقهم تحقق السمعيات، إذ هي أخبارهم التي أخبروا بها عن الله تعالى وبعثوا لأجل تبليغها وتوصيلها لعباده تعالى.
ويدور موضوع هذه العقيدة، فيما يجب على المكلف معرفة ما دل دليل على تعيينه، وأوصلها صاحبها الصفاقسي إلى عشرين صفة، وهي:
الوجود: وبرهان ثبوته له تعالى أن العالم وهو ما سوى الله تعالى حادث، لملازمته ما شوهد حدوثه، كالحركة والسكون، وأيضا فإنك تعلم بالضرورة أنك لم تكن ثم وجدت، وكل حادث لا بد له من محدث موجود، لاستحالة الانتقال من العدم إلى الوجود، بلا فاعل، فالعالم إذن لابد له من محدث موجود هو الله.
والقدم: أي الأولية لذاته وصفاته، وبرهان وجوبه له أنه لو انتفى عنه القدم ثبت له الحدوث فيفتقر إلى محدث، ويلزم التسلسل، فيؤدي إلى فراغ ما لانهاية له، أو الدور فيؤدي إلى تقدم الشيء على نفسه، وكلاهما مستحيل.
والبقاء: أي لا آخرية لذاته وصفاته.
والمخالفة للحوادث: أي نفي الجرمية والعرضية ولوازمهما، كالمقادير والحركة والسكون والجهات والقرب والبعد بالمسافة، وبرهان وجوبها له تعالى أنه لو ماثل الحوادث لكان حادثا، وقد مر برهان وجوب قدمه.
والقيام بالنفس: أي ذات موصوفة بالصفات العلية غنية عن الفاعل، وبرهان وجوبه له تعالى أنه لو لم يكن ذاتا لكان صفة، فيستحيل اتصافه بصفات المعاني والمعنوية، وقد قام البرهان على وجوب اتصافه تعالى بهما ولو احتاج للفاعل لكان حادثا وتقدم برهان نفي حدوثه، وثبوت قدمه.
والوحدانية في الذات والصفات والأفعال: أي ليست ذاته مركبة وإلا لكان جسما، ولا يقبل صغرا ولا كبرا، لأنهما من عوارض الأجرام، ولا ذات كذاته، ولاصفة كصفاته، ولا تأثير لكل ما سواه البتة، وبرهان وجوبها له تعالى أنه لو كان معه ثان لم توجد الحوادث للزوم عجزهما عند الاتفاق وأحرى عند الاختلاف.
والحياة: وهي لا تعلق لها.
والعلم: المنكشف له تعالى به كل واجب ومستحيل وجائز.
والإرادة: التي يخصص تعالى بها الممكن بما شاء.
والقدرة: التي يثبت تعالى بها أو يعدم ما أراد من الممكنات، وبرهان وجوب اتصافه تعالى بهذه الصفات أنه لو انتفى شيء منها لما توجد الحوادث.
والسمع والبصر: المنكشف له تعالى بهما جميع الموجودات.
والكلام: المنزه عن الحرف والصوت والتقديم والتأخير والسكوت لاستلزام جميع ذلك الحدوث .