لأنّ التّائبَ منَ الذّنب كمَن لا ذَنْبَ لهُ

Arabic Text By Jul 26, 2013


لأنّ التّائبَ منَ الذّنب كمَن لا ذَنْبَ لهُ

قال شيخنا رحمه الله

الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه الطيّبين أما بعدُ فقد روّينا بالإسناد المتّصل في صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري أنّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قالَ لأصحَابه الذينَ منهم راوي الحديثِ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ رضيَ اللهُ عنه: “*بايِعُوني على أن لا تُشْركوا باللهِ شيئًا ولا تَسرقوا ولا تَزنُوا ولا تَأتُوا بِبُهْتان تَفتَرُونَه بينَ أيْديْكم وأرجُلِكُم ولا تَقتلُوا النَّفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلاّ بالحقِّ فمَن وَفَى منكُم بذلكَ فأَجْرُهُ عَلى اللهِ ومَنِ ارتكَب شيئًا منها فعُوقِب في الدُّنيا فهو كَفَّارةٌ له ومَن ارتكبَها ثمَّ سترَهُ اللهُ عليه فأَمرُه إلى الله إن شاءَ عَذَّبه وإن شاءَ عفا عنه، فبايَعْناهُ على ذلك*”.عُبادةُ بنُ الصَّامت رضيَ اللهُ عنه راوي هذا الحديث قال فبَايَعناهُ على ذلك، أي على ما ذَكَرَ لَنا رسولُ الله وهو أنّهُ أخَذ علَيهِمُ العَهدَ أن لا يُشركوا بالله شيئًا ولا يَسرِقوا ولا يَزنُوا ولا يَقْتُلوا النَّفْس التي حَرَّمَ اللهُ إلاّ بالحقِّ وذكَر أمْرًا أخرَ وهو “*ألاّ يأتُوا بِبُهتانٍ يَفْتَرونَه بينَ أيْديهم وأرجُلِهِم” ثم قال الرَّسول فمن وفَى منكم بذلك أي مَن تجنّب هذه الأشياءَ أي تجنَّب الإشراكَ بالله إلى آخِر ما ذُكِرَ فأجْرُه على الله أي أنّ له أجْرًا عظيمًا وأخبرَهم أنّ من ارتكبَ شيئًا من ذلك فعُوقِب في الدّنيا أي عاقبَه مَن لهُ وِلايةٌ عِقابًا، وهو الخليفةُ أو مَن يَقومُ مَقامَه فذلك كفّارةٌ له أي لا يُعِيدُ اللهُ عليهِ عقُوبَةً لذلكَ في الآخِرة لأنّ هذه الحدودَ التي وضَعَها اللهُ في شرعِ الإسلام إذا أُقِيمَت على مستَحِقّيها طَهُروا بذلك منَ الذّنب فلا يُعادُ عليهم في الآخرةِ عقُوبةٌ وعذَابٌ على ذلك الذّنب الزّنا والسّرقةِ والقتل العُدْواني هؤلاء الثلاثةُ إذا علِمَ الإمام أنّ فلانًا ارتكب واحِدةً من هذه باعترافِ الشّخص أو بشهادة الشّهود فأقامَ عليه الحدَّ فذلكَ طُهْرَةٌ له أي لا يُعاقَب في الآخرة، وأخبرَهم إن لم يُقَم عليه حَدٌّ في الدّنيا فأمرُه إلى الله إن شاءَ الله تعالى عذّبَه على تلك الجرائم وإن شاءَ غفَر له هذا إن لم يتُب بينَه وبينَ ربّه بالنّسبة للزّنا لأنّ الزّنا التّوبةُ منه بأنْ يَندَم الرّجُل على ما فعَلَ أي يَندَمُ الشخصُ على ما فعلَ ويُقلِعُ أي يَترُك وينوي أن لا يعُودَ إليه فَمَنْ فَعَل هذه في الدّنيا ولم يُقَدّمْ نفسَهِ للحاكِم ليُقَام علَيهِ حَدُّ الزّنا لا يؤاخذه الله تبارك وتعالى “*لأنّ التّائبَ منَ الذّنب كمَن لا ذَنْبَ لهُ*”.العبدُ إذا ندِم عمّا فعَل وأقْلَع عن ذلكَ الذّنبِ فهو في الآخرةِ كأنّه لم يعمَل ذلك الذّنبَ حتّى إنّه لا يجدُ ذلكَ في كتابِه الذي يأخذُه يومَ القيامة إنما يجِدُ في كتابه الذُّنوبَ التي لم يتُب منها، أمّا السَّرقة فالتّوبةُ منها بأن يرُدّ المالَ لصاحبِه أو بَدلَه إن كانَ لا يَستطيعُ أن يرُدَّ عينَ المال، يَرُدَّ بدَلَه ويَنْدَم ويَعْزم أن لا يعودَ، هكذا تكون التّوبةُ منَ السّرقة، وإن كانَ لا مالَ له يُمكِّنه مِن رَدِّ البَدَل لصاحِب السّرقة فينوِي أنّه متى استَطاع يَرُدُّ ذلك فما دام على هذه النيّةِ مع النّدم فقد حصَلت لهُ التّوبةُ، ولا عقُوبةَ عليه في الآخِرة إن ماتَ قَبْل أن يتَمكّن مِن ردّ البدَل أمّا إذا تَرَك ردَّ البدَلِ لصَاحبِه واقتصَر عَلى النَّدم والصّدَقات، صَدَقاتِ التّطوّع والإكثارِ منَ الصّلاة فإنّ هذا ليسَ توبَةً، وأمَّا القَتْلُ العُدْوانِيُّ فتَوبتُه أن يُقدِّمَ نفْسَه لأولياءِ القتِيل يقُولُ لهم أنا قتَلت فلانًا فخُذوا مِنِّي حقّكُم، إن شِئتُم اقتلُوني وإن شئتُم فخُذوا الدِّيَةَ وإن شِئتُم أن تُسَامِحوني مجَّانًا، فإذا عرَض عليهم هذه الخصالَ الثّلاثةَ واتّفَق معهُم على إحْداها فهذا قد تابَ فإن قتَلُوه قِصَاصًا فقَد طَهُر وإنْ صالَحُوه على الدِّية فقَد طهُرَ وإن سامحوه مجَّانًا كذلك طَهُرَ لأنّه نَدِم وعزَم أنه لا يعودُ، أما بدونِ ذلك فلا يكونُ تائبًا،.فإنْ لم يَتُبْ ولم يَعْفُ اللهُ عنه يُعذَّبُ في القبرِ ويومَ القيامة أشدَّ مِن عذاب القبر، يُعَذّبُ أشدَّ العذابِ بعدَ عَذاب الكفر، أمّا مَن قتَل قتِيلا أو أكثرَ مِنْ واحِدٍ ولا يَعرفُ أهَاليهِم حتّى يُسَلِّم نفسَه إليهم للقِصاص أو يتَسامَح معهم بالدّية برضَاهم أو يَطلُب منهم العَفْو المجّانيّ فهذا توبتُه أن يَندَم ويَعزم أنّه لا يَعودُ للقَتْل العُدوانيّ ويَعزمَ أنّه إن عرَف أهلَه “يتخَالَص” معهم على حُكم شَرع الله. وبقِي شىءٌ آخر وهو أن يؤدّيَ الكفّارةَ إن استَطاع، القاتلُ قَتْلا عُدْوانيًّا أو غيرَ عُدوانيّ عليه كفّارةٌ وهذه الكفّارةُ إعتاقُ رقبَة أي يُحرّر عبدًا مملوكًا أو أمَةً مملوكةً فإن لم يستَطع صام شهرين على التَّوالي أي مِن غير أن يُفطِر يومًا حتّى يُكمِلَ الشّهرَين، هذه كفّارةُ القَتل. فمَن لم يفعل هذه الكفّارةَ وهو مُستَطيعٌ يَستحِقُّ العَذاب لأنّ هذه الكفّارةَ حَقُّ الله، يَكونُ كالإنسانِ الذي لم يَدفَع الزّكاةَ وهوَ مستَطيعٌ.الذّنوبُ التي لا تعَلُّقَ لها بحقُوقِ ابنِ آدَم أسهَلُ للانفِكاك منها، هيَ الذّنوبُ التي لا عَلاقةَ لها بحقُوقِ ابنِ آدمَ الزّنا وشُرب الخمر وما أشبَه ذلك كأكلِ لحم الخنزير فمَن أكلَ لحم خنزيرٍ عمدًا توبتُه بأن يندَم ويَعزمَ بأن لا يعودَ إلى أكله فمَن فعَلَ ذلك صار كأنه لم يأكلْ قَطُّ لحمَ خِنزير وهكذا الزّنا وشربُ الخمر،وإذا شَخص هدّد امرأةً بالضّرب والسّلاح فزنَا بها لا يكفِي النّدمُ لتَوبَته بل يستَسمِحُها يقول لها سامحِيني منَ الأذى الذي ءاذَيتُك أمّا إذا كانَ بطَواعيّةٍ منها ليسَ عليه أن يستَسمحَها ولا أن يَستَسمِح زوجَها أو أهلَها، يكفي النّدَم.إنْ ذهَب الزّاني إلى الحاكم واعترَف له بأنّه زنا واجبٌ على الحاكم أن يُقيمَ عليه الحدّ، وإن لم يذهَب الزّاني بل تابَ مِن غير أن يذهَب إلى الحاكم يجوزُ لهُ.